بهدوء تام يتسلل في الأماكن المغلقة، بلا ريح ولا لون ينبه اليقظان، ويتخفى بين الأنفاس ليعبر تجاويف الأنف والقصبة الهوائية بلا التهابات تقض نوم النعسان. يصل إلى الرئتين بلا أثر ليتم امتصاصه على مستواهما، فيصل إلى مجرى الدم ومنه إلى باقي خلايا الجسم. إنه القاتل الصامت أو غاز أحادي أكسيد الكربون CO.
تنتج التسممات باستنشاق هذا الغاز أساسا عن حدوث خلل في آلات التدفئة أو سخانات الماء التي تستعمل المحروقات العضوية (مثل البوتان أو البروبان أو الخشب أو البترول أو الفحم…) وقودا لها. غير أن سخانات الماء تبقى مصدرا رئيسا لحدوث هذا التسمم، ذلك أن الجو المشبع ببخار الماء، يعد عاملا محفزا للاحتراق غير الكامل وبالتالي إنتاج غاز أحادي أكسيد الكربون.
بعد أن يصل هذا الغاز إلى الدم يدخل في تنافس مع غاز الأوكسجين في الالتصاق بجزيئة الخضاب الدموي Hemoglobin إذ يملك كلاهما المقدرة على تكوين رابطة مع ذرة الحديد الموجودة وسط جزيئة الهيم Heme. ومع قدرة على الانجذاب إلى جزيئة الهيم تفوق ب 240 إلى 250 مرة تلك الخاصة بالأوكسجين، فإن هذا الغاز يمكن أن يمنع التصاق الأكسجين، وبالتالي نقله إلى الخلايا، حتى مع فارق كبير في ضغطيهما الجزئيين Partial pressure. بالإضافة إلى ذلك فإن التصاق جزيئة CO على موقع من المواقع الأربعة على الخضاب الدموي يزيد قوة الرابطة بين O2 والمواقع الأخرى بحيث لا يتم تحريرها بعد الوصول إلى الأنسجة الهدف.
نقص الأكسيجين في الأنسجة يتم استشعاره على مستوى الدماغ فينشط الرئتين على الرفع من وتيرة التنفس مما يزيد من سرعة وصول غاز CO إلى الدم، وبالتالي منع الأكسجين من الوصول إلى مختلف أنسجة وخلايا الجسم. من خلال ما سبق فإن هذا المنع هو السبب الرئيسي الذي يسبب الموت.
يأتي مقالنا هذا مع اقتراب فصل البرد، حيث يزيد الإقبال على وسائل التدفئة التي تستعمل الغاز أو الخشب أو الفحم كوقود لها، للتحذير من المخاطر التي يسببها هذا الغاز. فحسب إحدى نشرات المركز الوطني لمحاربة التسمم واليقظة الدوائية، فقد سجلت 11488 حالة تسمم بغاز أحادي أكسيد الكربون ما بين 1991 و2007 يتركز أغلبها خلال فصل الشتاء. عدد بعيد جدا عن ما هو عليه على أرض الواقع حسب المركز نفسه. لكنه لا يخفي بحال الخطورة التي يكتسيها هذا الغاز، فهو السبب الأول للوفيات عبر العالم نتيجة التسممات العرضية.
لهذا كله ينبغي التأكد من سلامة الأجهزة المشار إليها أعلاه وتجنب استعمالها في الأماكن المغلقة وداخل الحمام. كما لا ينصح باستعمال أجهزة التدفئة خلال النوم. وفور الإحساس بالتعب أو الدوار أو الغثيان فإنه يتوجب تهوية المكان وإيقاف مصدر الغاز والاتصال، إذا اقتضى الأمر، بالمركز الوطني لمحاربة التسمم واليقظة الدوائية أو زيارة طبيب.
دمتم سالمين.
الصورة: 2