عندما يصبح حاسوبك بطيئا وتطفئه، ألا تتحسن سرعته عند تشغيله من جديد؟ هذا هو العطاس تقريبا بالنسبة للجهاز التنفسي، فهو يعمل على إعادة تشغيل جهاز المراقبة تماما كما هو الشأن بالنسبة للتوليفة Ctrl+Alt+Supr (أو Ctrl+Alt+Del) على الحاسوب.
فلنتخيل أن بعض الغبار دخل الأنف ولنفترض أنه تجاوز الحاجز الأول (زغبات الأنف)، ليستقر فوق الغشاء المخاطي، ويلامس النهايات العصبية، حينها ترسل هذه الأخيرة فورا إشارة إلى “مركز العطاس” في الدماغ (يوجد في الجزء السفلي من جذع الدماغ)، ودون انتظار، يرسل الدماغ رسالات إلى العينين، وإلى عضلات الحنجرة والصدر، فتنغلق العينان، وتتقلص عضلات الصدر والحنجرة بقوة تجعل العطاس ينفجر ويحرر الأنف.
وقد اكتشف علماء بأن دور العطاس لا يقتصر على طرد الجراثيم والعناصر الدخيلة فقط، ولكنه بمثابة إعادة تشغيل طبيعية للجسم. حيث أظهرت دراسة علمية من جامعة بينسيلفاني الأمريكية، نشرت على مجلة FASEB، أن نفخة الهواء الناتجة عن العطاس لا تقتصر على تنظيف المسالك الأنفية، بل تطلق إشارة للخلايا الهذبية لتسرِّع من نبضات الأهذاب خلال مدة تمتد إلى بضع دقائق.
تتواجد داخل الأنف والجيوب الأنفية مستقبلات استشعار مكونة من أهذاب صغيرة على شكل مجاديف، تعمل على طرد العناصر المزعجة خارج رئاتنا وفتحاتنا الأنفية عبر التخلص منها خارج الجسم أو عبر البلعوم، حيث يقضي الحمض المعدي على المتعضيات المضرة أو المواد العالقة. وهذه الأهذاب تحتاج إلى المخاط لكي تقوم بوظيفتها، وهو ما ينتجه الأنف بمعدل لتر واحد في اليوم ويبلع جزء هام منه.
إن الأشخاص المصابين بالتهاب الجيوب الأنفية أو اضطرابات وراثية كالتليف الكيسي، يجدون صعوبة في التخلص من المخاط رغم كثرة عطسهم. هذا التناقض الواضح، دفع باحثين إلى التساؤل حول دور العطاس في وظيفة الأهذاب للتخلص من المخاط، وهل هذه العملية معطلة لدى الأشخاص المصابين بالتهاب الجيوب الأنفية. أخذ الفريق إذن خلايا فتحات أنفية لأشخاص سليمين وكذا خلايا مرضى مصابين بالتهاب الجيوب الأنفية، وقاموا بزرع الخلايا في حاضنة خلال عدة أسابيع لتتشكل نفس هيأة غلاف الجيوب الأنفية. وبعد ذلك قاموا بنفخ الهواء على الغلاف الطبيعي، “عطاس مخبري” وبالفعل أُثبتت الفرضية: “إذا نفخنا الهواء على هذه الخلايا تسرع إيقاع أهذابها”.
لكن عندما كرر الفريق التجربة على الخلايا المأخوذة من مرضى التهاب الجيوب الأنفية، لم تخفق أهذابها بسرعة أكبر. وبالتالي فهؤلاء المرضى لا يتلقون نفس الاستجابة الخلوية على عكس الأشخاص السليمين. فمثلا، من شأن الالتهاب المزمن، أو سُمينات البكتيريات المرتبطة بالتهاب الجيوب الأنفية، أن يمنع الأهذاب من أداء وظيفتها بشكل عادٍ.
بالنسبة للباحثين فالسؤال الموالي هو: “هل يمكننا الاستعانة بهذه المعلومة وترجمتها إلى علاج جديد؟”
يمكن للعلماء نظريا أن يطوروا البخاخات الأنفية أو أدوية موضعية أخرى للتسريع من خفقات الأهذاب لدى الأشخاص الذين يعانون من صعوبة التخلص من المخاط. وحاليا يعالچ المرضى عموما بأدوية أو الجراحة للتخفيف من الأعراض التي قد تتضمن الاحتقان ونقصان حاستي الشم والذوق وآلام الوجه والرأس.