الطاقة الزرقاء: توليد الكهرباء بخلط مياه البحار والأنهار
“التفاعل الكيميائي المثير الذي يحدث حين تلتقي الأنهار والبحار يمكن أن يزود بيوتنا بالطاقة”، يقول فيليب بال.
ربما يكون هذا واحدا من أهم المصادرغيرالمستغلة في إطار الطاقة الخضراء. عندما تمتزج المياه المالحة والعذبة في مصبات الأنهار تحدث عملية كيميائية يمكن تسخيرها لتوليد الكهرباء.
ووفقا لإحدى التقديرات، فإن هذه “الطاقة الزرقاء” وفيرة بحيث يمكن أن تلبي جميع احتياجاتنا – إذا أمكننا أن نجد وسيلة فعالة للاستفادة من ذلك. هل يمكن أن يصبح “الأزرق” الأخضر الجديد؟
مفتاح العملية: أيونات الملح في ماء البحر.
اقتُرحت الطاقة الزرقاء لأول مرة في عام 1954 من قبل مهندس بريطاني يدعى RE Pattle. ويطلق عليها أحيانا “الطاقة النفاذية”، لأنها تستغل ظاهرة “التناضح”. لفهم كيف يحصل هذا، تخيل محلولين من الماء مع تركيزات مختلفة من مادة متحللة مثل الملح. إذا فصل هذان المحلولان بغشاء رقيق “شبه نافذ” الذي يسمح بنفاذ الماء دون أيونات الملح، فإن المياه سوف تمر بشكل طبيعي من الجانب الأقل ملوحة إلى الجانب الأكثر ملوحة. تدفق المياه عبر الغشاء، الذي يمكن استخدامه لدفع التوربينات وتوليد الطاقة، يراكم الضغط على جانب واحد .
لم يكن من الممكن أن تستغل فكرة Pattle لتوليد الطاقة حتى السبعينات. وذلك عندما أصبحت المواد الاصطناعية لصنع أغشية شبه منفذة متاحة تجاريا. اقترح عالم يدعى سيدني لوب استخدامها في ما أسماه “محطات الطاقة النفاذية”. يأمل لوب أن تسخر الطاقة المتحررة من اختلاط الانهار بالبحار.
محطات الطاقة هذه لا تعمل على أفضل وجه عندما يكون معدل التدفق عبر الغشاء كبيرا، ولكن عندما يكون التدفق أقل من جهده القصوي قليلا. ويمكن القيام بذلك عن طريق الضغط على المياه المالحة بحيث يعوق هذا الضغط تدفق المياه العذبة من الجانب الآخر من الغشاء. لذا تعرف هذه التكنولوجيا ب “النفاذية بالضغط المتأخر”.
حين يلتقي البحر مع النهر تكون هناك طاقة يمكن استغلالها.
افتُتحت أول محطة باستخدام النفاذية بالضغط المتأخربمدينة “توفت”، بالنرويج، في عام 2009 من قبل شركة STATKRAFT، مع قدرة توليدية لا تتجاوز4KW – وهو رقم ضئيل مقارنة مع 5،000kW من محطة صغيرة للطاقة النووية. ولكن بالرغم من نجاح العملية، لاحظت الشركة عدم جدوى هذه التكنولوجيا من حيث التكلفة لأن الأجهزة لا تنتج ما يكفي من القوة لتعويض تكاليف البناء والتشغيل والصيانة. أغلقت STATKRAFT المصنع في عام 2013.
داخل محطة متوقفة للطاقة النفاذية في النرويج
في نفس الوقت، لم ييأس الباحثون في المعهد الهولندي للمياه Wetsus في يوفاردن. حيث بدأت شركة فرعية تدعى REDstack استغلالا مختلفا للطاقة النفاذية يسمى التحليل الكهربائي العكسي (RED) في محطة نموذجية للطاقة. تختلف هذه التقنية قليلا عن “النفاذية بالضغط المتأخر” لأنها تستعمل أغشية تسمح بنفاذ أيونات الملح – بدلا من جزيئات الماء –
هناك نوعان من الأغشية: واحد يسمح بنفاذ أيونات الصوديوم موجبة الشحنة و آخر يسمح بنفاذ أيونات الكلور سالبة الشحنة. تستخدم هذه الأغشية لخلق نوع من المياه متعددة الطبقات على شكل شطيرة من طبقات الماء المالح والماء العذب، مع هذين النوعين من الأغشية النفاذية بالتناوب بين كل طبقة. ينتج هذا الترتيب جهدا كهربائيا يمكن استغلاله لإنتاج تيار كهربائي مباشر دون الحاجة إلى ضغط يحرك التوربينات.
يدرس العلماء بمعهد Wetsus طريقة ثالثة تسمى الخلط السعوي (capmix) . هنا تضخ مياه البحر والمياه العذبة بالتناوب في غرفة تحتوي على قطبين، يمثلان أجهزة تخزين (أو مكثفات) لترفع مقدار الجهد.
الطاقة النفاذية يمكن أن تولد قدرا أكبر من الطاقة.
عمل المعهد الأوروبي الذي يضم معاهد في هولندا وإيطاليا وبولندا واسبانيا على استكشاف تكنولوجيا الخلط السعوي( capmix) منذ عام 2010. ولا تزال هناك طرق جديدة يمكن العثور عليها. على سبيل المثال، قام فريق في جامعة “أوترخت” بقيادة الفيزيائي “رينيه فان” بتجربة أظهرت أنه من حيث المبدأ يمكن أن يضاعف إنتاج الطاقة من الأجهزة إذا سخن الماء العذب الذي يختلط مع مياه البحر إلى درجة حرارة 50 سيلسيوس.
يقول الخبراء بأنه ليس هناك حاجة لحرق الوقود الأحفوري لتسخين الماء ، حيث يمكن ببساطة استخدام المياه المستعملة الساخنة نتيجة المعالجة الصناعية، على سبيل المثال مياه التبريد من محطات توليد الطاقة أو مراكز البيانات (حيث أنها تحافظ على أجهزة الكمبيوتر من ارتفاع درجة الحرارة).
من حيث المبدأ، الطاقة النفاذية يمكن توليدها باستخدام ثاني أكسيد الكربون
تنتج عملية النفاذية إثراختلاف تركيز المواد الذائبة- السكر مثلا. إذن “الطاقة الزرقاء” لا تقتصر على خلط المياه العذبة والمالحة. في عام 2013، اقترح فريق في Wetsus إمكانية توليد الكهرباء من غاز ثاني أكسيد الكربون المنحل التي يمكن الحصول عليها من محطات طاقة الوقود الأحفوري. يذوب ثاني أكسيد الكربون بسهولة في الماء لإنتاج حمض الكربونيك، ثم يتفكك إلى أيونات البيكربونات والهيدروجين. هذه الأيونات يمكن أن تساق إلى الأقطاب في عملية الخلط السعوي ( capmix) بنفس طريقة أيونات الملح. وكما أن طريقة الخلط السعوي تتضمن تزويد النظام بالمياه المالحة والعذبة، فإن الأسلوب الجديد يتطلب أولا خلط المياه مع ثاني أكسيد الكربون (المكافئ للمياه المالحة) وبعد ذلك مع الهواء النظيف (المكافئ للمياه العذبة ).
ويقول باحثون إن دخان المداخن من محطات طاقة الوقود الأحفوري، في جميع أنحاء العالم، يحتوي على ما يكفي من ثاني أكسيد الكربون لإنتاج حوالي 850 تيراوات ساعة من الكهرباء سنويا، تقريبا 100 ضعف استهلاك الطاقة السنوي في المملكة المتحدة. إنها فكرة رائعة تضرب عصفورين بحجر واحد، فقد يصبح ثاني أكسيد الكربون المسبب لمشكلة التلوث والاحتباس الحراري جزءا من الحل!
المصدر : BBC