الخط الفيصل بين فيزياء الكم و العالم الواقعي
تعتبر نظريّة الكمّ واحدة من أعظم الإنجازات العلميّة في القرن العشرين، حيث يكافح الفيزيائيّون إلى اليوم لإيجاد حدود واضحة بين عالمنا اليومي و ما سمّاه ألبرت آينشتاين الميزات “الشبحية” لعالم الكمّ، بما في ذلك القطط التي يمكن أن تكون حيّة و ميّتة في نفس الوقت، والفوتونات التي تستطيع التواصل مع بعضها فورياً عبر الفضاء.
طيلة ستين سنة منذ تبلور نظرية الكم، اعتبرت نظرية تفاوت بيل – Bell’s Inequality أفضل نظرية تفسر الحدود بين العالم الواقعي وعالم الكم، اليوم، ظهر بحث جديد اعتبر “تفاوت بيل” غير قادر على تفسير هذه الحدود . و هذا يعني أنه كلّما جلب عالم الحوسبة الكميّة غرابة الكمّ أقرب إلى حياتنا، كلّما فهمنا حدود ذلك العالم جيدا أقل مما اعتقد العلماء . نشر باحثون من جامعة روشستر مقالا علميا في الدورية العلمية Optica.
وقد أظهر هذا البحث أن شعاع ضوء كلاسيكي والذي من المتوقّع أن يمتثل لتفاوت بيل قد يفشل في هذا الاختبار في المختبر إذا حُضر الشعاع بشكل صحيح ليملك ميزة خاصة جدا تسمى التشابك. إن “تفاوت بيل” لا يفشل فقط في تحديد الحدود، بل إن النتائج الجديدة لا تدفع الحدود أعمق داخل حقل الكمّ بل تفعل العكس، إنها تُظهر أن بعض خصائص العالم الحقيقي لابدّ أن تملك مكوّناً مشتركاً مع ميدان الكمّ . هذا المكوّن هو ما يسمّى “التشابك-Entanglement”، وبالتّحديد إنها خاصيّة فيزياء الكم والتي وصفها آينشتاين بالشبحيّة.
حسب جوزيف إبرلي Joseph Eberly ، بروفسور الفيزياء وأحد مؤلفي البحث، فإن اختبار بيل يميّز الأنظمة المتشابكة عن غير المتشابكة فقط، ولا يميّز بين إن كان النظام كلاسيكيّاً أو كمّياً. وسيفسر باحثون من روشستر، في بحث قادم، كيف يمكن أن يتواجد التشابك في شيء اعتيادي مثل شعاع الضوء . يشرح إيبرلي مايقع قائلا : ” إن حدوث التشابك يتطلب وجود شيئين “. على سبيل المثال، فكّر في يدين تصفّقان بانتظام، ما يمكن أن تكون متأكّدا منه هو أنه عندما تتحرك اليد اليمنى إلى اليمين، فإن اليد اليسرى تتحرك لليسار. والعكس صحيح. لكن إن طُلب منك التّخمين في لحظة معينة بدون النظر أو الاستماع إن كانت اليد اليمنى تتحرّك لليمين أو ربّما اليسار، فلن تعرِف أين تتحرك اليد، لكنّك ستظل تعرف أنه أيا كان الاتجاه الذي تتحرّك فيه اليد اليمنى، فاليسرى ستتحرك في الاتجاه المعاكس. إن القدرة على المعرفة بشكل مؤكد عن خاصيّة مشتركة دون معرفة أي شيء مؤكّد عن خاصية فرديّة هو جوهر التشابك المثالي ويضيف إيبرلي أن العديد يعتقدون أن التشابك خاصيّة كميّة ” لأن شرودنغر صاغ المفرد ‘تشابك’ للتعبير عن سيناريو القط الشهير “. لكنّ تجربتهم أظهرت أن بعض خصائص العالم الحقيقي لابدّ أن تتشارك مكوّنا رئيسياً مع ميدان قطة شرودنجر : التشابك .
لقد أُشير إلى وجود التشابك الكلاسيكي سنة 1980، لكنه لم يبدُ كمبدأ مثير للإهتمام، لذا لم يتم استكشافه كلّيا. على عكس التشابك الكمّي، فإن التشابك الكلاسيكي يحدث ضمن نظام واحد، حيث يكون التأثير محليّا يشكل كامل: لا حدوث لتأثير عن بعد، ولا شيء من ‘الشبحيّة’. مع هذه النتيجة ، يكون إيبرلي وزملاؤه قد أظهروا تجريبيّاً ” أن الحدود ليست أين اعتقدناها عادة، وأن تفاوت بيل لا يجب أن يستعمل في تحديد الحدود مجدّداً” .
المصدر : Phys
رابط الدراسة العلمية على مجلة OPTIKA
مصدر الصور : National Geographic, ،Nature