شهد العالم في السنوات الأخيرة منافسة شرسة بين عمالقة التكنولوجيا من أجل اختراع افضل حاسوب كمي. آخرها يوم 20 شتنبر 2019، حيث أعلنت شركة Google عن تطويرها لمعالج كمي مسمى “Sycamore” والذي يستغرق 20 ثانية من أجل القيام بعملية تستغرق 100 عام باستعمال أكثر المعالجات كفاءة حاليا. نشرت بعد ذلك شركة IBM مقالا تدحض فيه إدعاء شركة GOOGLE، موضحة أن العملية تستغرق فقط ثلاثة أيام ، لكن بالرغم من ذلك فلا تزال هذه المدة كبيرة مقارنة مع 20 ثانية.
لنفهم أصل السباق دعونا نتعرف أولا عن أصل الحواسيب.
سنة 1936 وصف Alan Mathison Turing أجهزة حسابية تساعدنا في التحقيق في مدى و حدود ما يمكن حسابه ، وتم تصميمها لحساب الأعداد الحقيقية، اليوم تعتبر واحدة من أهم النماذج النظرية الأساسية للحوسبة . بصفة عامة يمكن وصف آلة Turing انطلاقا من أربع متغيرات (T=(Q,Σ,s,δ؛ Q هي مجموعة منتهية من الحالات،Σ مجموعة منتهية من الرموز؛ S الحالة البدئية و δ دالة الانتقال من حالة الى الحالة الموالية. لكن إن قبلنا بتحليل Turing فإنه لأي مشكلة نعتقد أنها محسوبة يجب أن نكون قادرين على بناء آلة Turing التي تحسبها و كل مسألة غير محسوبة بواسطة آلة Turing فإنها ليست محسوبة بالمعنى المطلق(على الأقل بالنسبة للبشر).
لكن في الواقع هناك العديد من الخوارزميات التي لا تقبل حلا تسلسليا كما يقترح Turing؛ مثلا إذا إقترح صديقك أنه وجد الحل لمعادلة صعبة فلتتبين من صحة كلامه ما عليك إلا أن تجرب الحل فإذا كان يحقق المعادلة فصديقك على صواب؛ يسمى هذا النوع من المسائل مسألة غير حدودية ( NonPolynomial Problems ) ; وهناك نوع آخر هو المسائل التي تحل بطريقة متسلسلة تسمى مسائل حدودية( Polynomial Problems).
بعد أن تعرفنا على الجانب النظري للحواسب الكلاسيكية دعونا نتعرف على الجانب العملي.
الحاسوب مكون من مكونات قد تبدو في بادئ الأمر معقدة، لكن كلما فصلناها تصبح بسيطة لكونها تؤدي وظائف أساسية؛ كعمليات حسابية وتخزين معلومات، حتى يتضح لنا أن أهم مكون في الحاسوب هو المعالج(processor). أثناء تشغيل البرنامج، تعمل الأجزاء الوظيفية للمعالج معا: يقوم أحد الأجزاء بنقل التعليمات والبيانات من الذاكرة إلى اللوحة الأم ، بينما يتولى الطرف الآخر تطبيق الإرشادات على البيانات وتخزين النتائج في المعالج. لذلك يمكننا مقارنة المعالج بمصنع. بداخل المعالج، توجد ترانزستورات(Transistors) مصنوعة تقليديا من السيليكون. الترانزستورات مفاتيح الكترونية صغيرة تؤدي عمليات متسلسلة (أي لا يمكنها القيام بعدة عمليات في آن واحد وهي ذات طبيعة شبه موصلة حيث يتدفق التيار عبر أشباه الموصلات(Semi Conducteurs) أم لا، مشفرا المعلومة (تركيبة من متغيرات منطقية 0 ام 1) .
هاته البوابات(Gates) تشتغل بطريقة غير انعكاسية(Irreversible) لكوننا نشحن الترانزستور و نفرغه قبل و بعد كل عملية مما يحدث ضياعا في الطاقة بمعامل KTLn2 تحت حرارة T. فإن استطعنا أن نجعل طريقة عمل البوابات انعكاسية فيمكننا اختزال كم هائل من الطاقة .
لوصف جزء معزول من الطبيعة انطلاقا من متغير، يتطلب ذلك دالة تحتوي على نفس عدد المتغير، مما يستدعي حجما معينا للمعالج وإن مثلا تضاعف عدد المتغيرات فهذا يستلزم ضعف حجم المعالج مما يعني نمواً أسيا (exponential )لحجم المعالج. من القصص الشائعة عن لعبة الشطرنج، كانت في زمن قدم فيه صاحب اللعبة لوحة الشطرنج إلى السلطان، فراقت السلطان و سمح لصاحبها أن يطلب ما يشاء مقابلها ، فكان طلب صاحب لعبة الشطرنج جبة أرز كل يوم شرط أن يضاعف السلطان عدد حبات الأرز كل يوم، فمثلا في اليوم الأول حبة و في اليوم الثاني حبتين و في اليوم الثالث أربع حبات وفي اليوم الرابع ثمان حبات،إلى أن أصبح عدد الحبات يعادل مخزون السلطنة من الأرز. من خلال هذا المثال نستنتج أن النمو الأسي مكن صاحب لعبة الشطرنج من الحصول على حجم كبير جدا مقارنة مع الحجم البدئي.
توفر لنا ميكانيكا الكم حلولا عن طريق نمو خطي لحجم الحاسوب و كذا حوسبة بعض الخوارزميات التي عجزت الحواسيب الكلاسيكية عن حلها .لكن ما هي خاصيات ميكانيكا الكم التي تمكننا من الإجابة على هذه التحديات؟
الخاصية الأولى هي قانون التراكب (Superposition) وتعني أن حالتين مختلفتين تتواجدان معا في آن واحد،قد تبدو غير منطقية لكن ميكانيكا الكم تسمح لنا بذلك، هذه الخاصية تمكننا من سرعة أكبر مقارنة مع الحاسوب الكلاسيكي فتراكب الحالات أي تواجدها جميعا في آن واحد يمكننا من دراسة عدة متغيرات في آن واحد عوض دراسة كل واحدة على حدة.
الخاصية الثانية هي التشابك الكمي (Quantum Entanglement) وتعني أنه لا يمكننا قياس أو معرفة حالتين متشابكتين بطريقة مستقلة، أي عندما تكون جزيئتين في حالة تشابك كمي فعند قياس حالة جزيئة نستنتج أوتوماتيكيا حالة الجزيئة الأخرى.
يوضح Richard Feynman في مقاله “Simulating Physics with Computer” عام 1981، أن قوانين ميكانيكا الكم التي تمكننا من اكتساب سرعة الحوسبة، احتمالية وغير سببية إلا أن الحاسوب الكلاسيكي طريقة عمله سببية و ممنهجة أي يعتمد على الحالة الآنية للمرور إلى الحالة التالية مما يجعل محاكاة ميكانيكا الكم غير صالحة باستعمال حاسوب كلاسيكي ،فيتبقى الحل الوحيد هو بناء حواسيب كمية.
كما هو الشأن بالنسبة للحواسب الكلاسيكية، فإن الكمية منها تستعمل بدورها وحدة للمعلومة (Bit بالنسبة للكلاسيكية) تسمى quibits أي quantum bits، و كذا بوابات منطقية لكنها مختلفة بكونها عكسية (أي يمكنها القيام بعملية في اتجاهين مختلفين) ،كما نجد بوابة النفي(NOT) في الحاسوب الكلاسيكي ونظيرتها هي بوابة Controlled Not، انطلاقا من هذه الأخيرة يمكننا هندسة العديد من البوابات المنطقية.
نظريا ميكانيكا الكم تقدم لنا حلولا واعدة، لكن كيف تتم سيرورة الحوسبة الكمية؟
في بادىء الأمر نضع ذرات اصطناعية(artificial atom) ونستعمل تقاطعات Josephson(Josephson Junctions) المكونة من مواد فائقة التوصيل مقترنة برنانات ذات موجية صغرية(Microwave Resonator )،توضع التقاطعات تحت حرارة 0.015k (أبرد من حرارة الفضاء). السبب وراء ذلك أن الجزيئات الكمية حساسة للتلوث بمعنى الإشارات الغير مرغوب بها فأي اختلال في تراكب الحالات يؤدي إلى خطأ في النتيجة.
Simulating Physics with Computer Pr.Richard Feynman.
The cloud tech,03/ 13/ 2018 «How does a processor work? »Mar 13, 2018
Sciencenews 08/28 2018 « Quantum computer simulates two types of bizarre materials»
تدقيق: الحسين أطركي