المغرب العلمي

التعرق جهاز التبريد عند الإنسان

يمتاز الجلد ببنية تسمح له بأن يستجيب لجميع المنبهات الآتية إليه من الداخل ومن الخارج، وهو من أكثر الأعضاء احتواءً للخلايا. والعرق سائل بلا لون وبلا رائحة يفرز عن طريق الغدد العرقية التي تتوزع على الجسم بشكلٍ غير متساو، ويصل عددها الاجمالي إلى حوالي أربعة ملايين غدة.

بنية الغدد العرقية

تتكون غدة العرق ذات الشكل الأسطواني (أي الأنبوبي) من قسمين: القسم الملتوي تحت الجلد الذي يفرز العرق، والقسم الأنبوبي الذي يمتد في القسم الخارجي من الجلد، أي في “البشرة” (Epiderme)، وفي القسم الداخلي، أي في “الأدمة” (Derme). يوجد نوعان من الغدد العرقية في أجسادنا، نوع “Eccrines” ونوع “Apocrines“، يوجد النوع الأول في جميع مناطق الجسم ولا سيما في باطن الكف وفي أخمص القدمين، ويفرز مادة “Mérocrine” مع قليل من السيتوبلازم.

 

لماذا نعرق؟

عملية التعرق عملية توازنية وضعت في الجسم لتحقيق بقاء حرارته ضمن الحرارة المطلوبة، أي لتأمين راحة البدن، وهي تعمل ضمن آليات عديدة لتأمين هذا الأمر. إن عملية التعرق عملية تبريد للجسم، فعند الدخول إلى وسط حار تبدأ بعض نظم الجسم بالعمل مثل “الترموستات”، وتنظم وتوازن حرارته.

slate

وتبلغ درجة الحرارة في داخل جسم الإنسان البالغ عند سكونه وعدم حركته، 37 درجة مئوية، بينما تتغير حرارة جلد الإنسان ضمن حدود 25-31 درجة مئوية. ويعود فضل اتزان هذه الحرارة إلى غدة “ Hypothalamus” بحيث مركزها الأول في القسم الأمامي منها يقوم بصيانة الجسم من ازدياد الحرارة، والمركز الثاني في مؤخرتها وظيفته صيانة الجسم من انخفاض الحرارة.

يقوم الجسم عن طريق العرق بطرد العديد من المواد الضارة – مثل المادة البولية “ Urea” و الحمض البولي والملح – التي تتكون داخل الجسم. لذا يمكن القول بأن الغدد العرقية قد أنيطت بها وظيفة تنقية الدم مثل الكلية.

نحن نعرق كثيرا إن كان الجو حارا أو إن قمنا بحركات وبنشاط جسدي كبير، لذا فلا يجد الجسم متسعا من الوقت لتلافي النقص الحاصل آنذاك في أيونات الصوديوم والبوتاسيوم والكلور. فإن لم يتم التعويض في مثل هذه الحالات من التعرق الزائد عن السائل المفقود، ظهرت مشاكل في انتظام الدورة الدموية في الجسم. لذا يجب المحافظة على الشيوخ وعلى الأطفال في الأيام الحارة من التعرض للشمس، وإعطاؤهم السوائل بكميات كبيرة.

لماذا نعرق عندما نتأثر أو نُثَار؟

عندما نتعرض لأمر مثير أو مهيج، تنشط منظومة العصب الشفوق (sympathetic nerve )، ويتم إفراز مادة الأدرينالين من الغدد الموجودة فوق الكلية. وهذه المادة تؤثر بشكل خاص على زيادة إفراز الغدد العرقية الموجودة في الإبط وفي راحة اليد. كما أن فقدان التوازن الهرموني في الجسم وإرهاق الغدد الدرقية، وتناول الكحول، وأخذ مقادير كبيرة من مادة “الكافيين”، وإدامة تهييج منظومة العصب الشفوق، يؤدي إلى زيادة التعرق.

وعدا هذا، فهناك حالات أخرى يزداد فيها التعرق، كما نرى ذلك في بعض أنواع أمرض السرطان، وعند حدوث أزمة قلبية، وفي مرض الشلل الرعاش، وفي مرض الإفراط في إفرازات الغدة الدرقية… يكون التعرق في هذه الحالات، من أعراض هذه الأمراض أو نتيجة لها. لذا فقبل البدء بعلاج ظاهرة التعرق المفرط، يجب معرفة السبب. وأحيانا يكون التعرق نتيجة بعض العوامل الجينية غير المعروفة.

ماذا يحدث لو لم نعرق؟

يطلق علم الطب على فقدان الجسم كله أو بعضه لقابلية التعرق اسم “ Anhidrose، ومن أسبابه، الإصابة بسرطان الجلد، وضعف الغدة الدرقية، ومرض البواسير والجذام، ومرض “الصداف”(Psoriasis)، وكذلك نتيجة استعمال بعض الأدوية، فمن يُولد وهو لا يملك في جسده غددا عرقية، لا يستطيع جسمه القيام بعملية التبريد، لذا قد يموت من ضربة الشمس أو من ارتفاع الحرارة.

رائحة العرق

العرق في الحالة الطبيعية والاعتيادية سائل دون رائحة، ولكنه يكتسب الرائحة بفعل إفراز الغدد الدهنية، وبفعل نشاط البكتيريا الموجودة فوق الجلد وقيامها بتكوين تراكيب متعددة. تنتج الرائحة المميزة لكل انسان بواسطة هذه المواد، وتتعرف الكلاب وبعض الحيوانات الأخرى على بعضها البعض بفضل هذه الرائحة..

من أجل منع التعرق المفرط الذي يؤثر سلبيا على حياة الناس، يجب أخذ بعض الأمور بعين الاعتبار:

على الأشخاص الذين يعرقون كثيرا، أن يقللوا من شرب الشاي والقهوة وغيرها من السوائل التي تنبه وتزيد التعرق، وأن يبتعدوا أيضا عن الفلفل والتوابل والأطعمة التي تحتوي عليها بكثرة.

– كما أن التعرق الذي يحدث في جميع أجزاء الجسم والرائحة المنبعثة بسببه، ولا سيما في أخمص القدمين وفي راحة اليد وتحت الإبط، تعود إلى تناول بعض أنواع الأغذية كالثوم والبصل و والنقانق.

– على الذين يتعرقون كثيرا، استعمال الملابس الصوفية والقطنية أو ملابس الكتان، وأن يتجنبوا استعمال الملابس الداخلية التي تزيد من العرق، وأن يتجنبوا أيضا لبس الجوارب أو الأحذية المصنوعة من المواد الاصطناعية، والقيام بغسل الأجزاء التي تتعرق من أجسامهم كثيرا ، وألا يلبسوا الأحذية المبتلة بسبب العرق إلا بعد أن تجف.

– أفضل طريقة للتخلص من رائحة العرق هي الاستحمام في فترات متقاربة، وإذا لم يستحم الشخص مدة طويلة فإن جسمه سيمتص مرة أخرى المواد الضارة التي تكون قد خرجت مع عرقه.

 

المصادر:

1-      مجلة حراء – العدد 30 – 2012

2- Anatomie générale – PCEM1, V. Delmas. Elsevier-Madison, 2008.