ابن الهيثم و تاريخ البصريات
يعتبر علم البصريات شعبة من شعب الفيزياء، علم يهتم أساسا بدراسة طبيعة و خصائص الضوء، تفاعلاته و تأثيراته على المادة، بالإضافة إلى تطبيقاته التي ٱحتلت و تحتل مكانة مهمة في مجالات عدة. ورغم أن مختبرات البحث العلمي المختصة في المجال لا تزال تسبر أغوار الضوء و أسراره، إلا أن هذا لا يستثني دراسات أُنجزت قد تعود إلى عصور ما قبل الميلاد.
إعداد: محمد ماخا
ولفهم طبيعة الضوء و خصائصه، وُضعت مفاهيم و نظريات مختلفة لعل أهمها تعود لديموقراطوس (460-371 ق م)، حيث ٱعتبر أشعة الضوء عبارة عن تدفق للجزيئات عبر الفراغ و ذلك في خطوط مستقيمية، و التي يمكن لها أن تخترق الهيئات الشفافة.
حقيقة لسنا هنا بصدد الخوض في تاريخ علم البصريات، و الحديث عن كيفية تطوره عبر الأزمنة و العصور، بقدر ٱهتمامنا بشخصية طبعت هي الأخرى مسارها بتميز منقطع النظير، فساهمت في الكثير من العلوم كافيزياء و الرياضيات و الهندسة و الفلسفة…، إنه العالم والفيلسوف إبن الهيثم.
هو أبو علي الحسن بن الحسن بن الهيثم، عاش في الفترة ما بين 963-1039 م، ولد في البصرة حيث نشأ و تعلم، ثم ٱنتقل لمصر حيث عاش إلى أن وافته المنية رحمه الله. هو عالم شغوف بالعلم و المعرفة، فتخصص و ألف مؤلفات عديدة في الفيزياء و الرياضيات و الهندسة وعلم الفلك. و رغم موسوعية الرجل، إلا أن ٱسمه ٱرتبط كثيرا بعلم البصريات، فألف فيه وفسَّر، وأبدع فطرح مفاهيم و قيَّم أخرى.
فقد راجع ابن الهيثم نظريات قديمة في علم البصريات تعود لعصر إقليدوس و بطليموس، حيث ٱعتبر الأخيران أن رؤية الأشياء تتطلب أن ترسل العين أشعة عليها، ولكن ابن الهيثم كان له رأي آخر شرحه في كتابه “علم البصريات”، حيث ٱعتبر أن الأشياء هي من ترسل أشعتها للعين فتتكوّن بذلك صورته فيها.
و معروف أيضا عن ابن الهيثم كونه طبيبا للعيون، حيث كانت له أبحاث في تشريح العين تشريحا كاملا و توضيح وظائف كل الأعضاء المكونة لها مع إعطائه لكل عضو إسما، إضافة إلى أعمال عن دراسة العدسات و استعمالها لتقويم عيوب النظر. هاته الدراسات و الإسهامات نشرها في كتابه “علم البصريات”.
إلا أن ما يميز ابن الهيثم هو اعتماده خلال مسيرته العلمية على منهج علمي واضح لدراسة الظواهر المختلفة في شتى المجالات. فكانت له فرضيات و طرق تجريبية لتأكيدها أو دحضها، عبر تفسيرات تعتمد على إلمامه بعلوم أخرى كالرياضيات و الفيزياء. له مؤلفات تهتم بعلم البصريات لعل أهمها كتاب “علم البصريات” و كتاب “المناظر” حيث نال من خلاله شهرة بما يحتويه من حقائق حول هذا العلم خصوصا دراسة الإنعكاس و انكسار الأشعة، كتاب نال من خلاله شهرة واسعة حيث تُرجم لعدة لغات منها اللاتينية، و الذي ٱعتبر مرجعا في هذا المجال حتى نهاية القرن السابع عشر.