تستعد كل من الوكالات الفضائية الأمريكية و الأوروبية تجاوز البحث عن الحياة بالكواكب القريبة كالمريخ مثلا و إلقاء النظر على عوالم أخرى أكثر روعة كأوروبا القمر التابع للمشتري و تيتان و إنكلاند قمري زحل، وهدف الاهتمام المشترك بين العلماء هو الماء السائل بالطبقات التحت أرضية، و بذلك يتجدد الأمل في العثور على أشكال للحياة. وإذا مكن المسبار كاسيني ـ هويجنز من الكشف عن عمق كوكب زحل إلا أن بعده مازال يشكل عائقا لإرسال أسطول جديد من المسابر و القيام بالمزيد من التحقيقات.
يبعد “المشتري” الكوكب الغازي الأكبر بالنظام الشمسي عن الشمس بمسافة تقارب 800 مليون كيلومتر، إذ يعد هذا الكوكب العاصفة نظاما حقيقيا مصغرا للنظام الشمسي ذو حلقات و قمر جليدي و آخر بركاني والعشرات من الأقمار الصغيرة.
ولق زارت المشتري سبعة مسابرهي يونير 10 وبيونير 11وفوياجر 1 وفوياجر 2 وجاليليوو وكاسيني ونيوهوريزونس. غير أن هاته المسابر لا تصمد كثيرا أمام نظام المشتري إذ تستغرق بضع ساعات فقط، باستثناء جاليليو فهو الوحيد الذي دخل مدار الكوكب العملاق بين سنتي 1995 و 2003.
المسبار الأمريكي جينو: انطلق المسبار الأمريكي جينو باتجاه الكوكب العملاق سنة 2011م وسيصل إلى وجهته في يوليو 2016. سيحلق جونو حول المشتري لمدة سنة هدفه دراسة نظام الكوكب وكيفية تشكله وتطوره ومكوناته والكشف عن كيفية عمل غلافه الجوي والمغناطيسي وإتحاف عشاق الفلك بصور رائعة ومختلفة له.
المهمة الأوروبية جيوس: للمشتري أربع أقمار جاليلية؛ آيو القمر البركاني وأوروبا القمر الجليدي وكاليستو وغانيميد وهو أكبر قمر بالمجموعة الشمسية وأكبر حجما من كوكب عطارد. جيوس مهمة طموحة تهدف إلى دراسة خصائص الأقمار الجليدية الثلاثة أوروبا و غانيميد وكاليستو، وهي أقمار قد تخفي في أعماقها أحواضا مائية. ولذا فهدف البعثة الإجابة عن سؤال عميق: هل هاته الأقمار يمكن أن تخفي أشكالا للحياة تحت قشرتها؟ سينطلق مسبار جوس سنة 2020م وإن مرت الرحلة على مايرام سيعود سنة 2030م، فبطء هاته المهمة قد يجعل مسبارا أمريكيا يستولي على المهمة، قد ينطلق متأخرا و يعود مبكرا.
في نهاية القرن العشرين كشف المسبار الأمريكي غاليليو أن العالم الجليدي الصغير “أوروبا” الأكبر بقليل من القمر مغطى تماما بالجليد ربما يخضع لتطور شبه ثابت. فعلى سطح أوروبا لا يظهر إلا القليل من آثار الصدمات ما يدل على صغر عمر هذا القمر حسب السلم الجيولوجي، وتحت القشرة الجليدية للقمر يوجد محيط مائي سحيق بعمق 100 كلم …أما مصدر الحرارة فيرجع للمد العملاق الذي يسببه آيو لأوروبا وغيناميد وكاليستو. إذن لماذا لا وجود للحياة على هذا العالم الصغير؟
البحث عن حياة محتملة خارج كوكبنا الأزرق هو برنامج الاستكشاف الآني للمحطة الفضائية الأمريكية، وإرسال مسبار في اتجاه القمر أوروبا يتطلب المزيد من الدراسات الدقيقة، إذ يجب أن يتوفر على كاميرات قادرة على كسح سطح أوروبا بدقة تصل إلى 50 مترا وباقتراب من الوسط بمسافة 50 سنتيميتر، إضافة إلى رادار قادر على جس الجليد والبحث على مدى عمق الماء السائل، وكاميرا حرارية للبحث عن آثار تدفق المياه، ومطياف لتحليل تركيبة المواد الموجودة عليه.
فمسبار “مهمة أوروبا“ يمكن أن يحمل مركبة للهبوط على المشتري: صاروخ المستقبل الضخم “نظام لوانش الفضائي” إنها مهمة الخيال العلمي التي سيتسنى لنا مشاهدتها، فهذا النظام يعمل على تقصير مدة الرحلة إلى الكوكب العملاق كي تنطلق سنة 2023م و صل للمكان المنشود سنة 2025م أو 2026م أي قبل مهمة جيوس الأوروبية ليصبح وضع وحدة إرساء على أوروبا حلما حقيقيا، فناسا نجحت من قبل في إرساء مجموعة من المسابر كمسبار نير على كوكب إيروس و هايابوزا على أطوكاوا، ومسبار فيله على المذنب 67P ومسابر أخرى على القمر والمريخ والزهرة وتيتان.
تواجه مهمة ناسا نحو المشتري تحديات نذكر منها: أولا الكوكب العملاق يولد مجالا مغناطيسيا مدمرا حتى للإلكترونيات الأكثر مقاومة، بالإضافة إلى أن المناطق المهمة للبحث على المشتري التي قد تحمل بطياتها أدلة محتملة لتوجود الحياة تعرف فوضى كبيرة من الوديان العميقة والمنحدرات الخطرة. لذا فناسا تخطط لتزويد نظامها بوحدات مماثلة لتلك التي على مسبار المريخ “كيريوزيتي” وهي كاميرا ونظام ذي ذكاء اصطناعي قادر على اتخاد قرارات صائبة في الحالات الطارئة.
إلى يومنا هذا لا نستطيع أن نتجرأ و نجزم إن كانت المهمة أوروبا ستفلح أم لا وإن شرعت الوكالات الفضائية في التهييء لرحلتها هاته، لكن الأروع أنها جعلتنا نحلم بغزو الفضاء ونتجاوز الخيال العلمي إلى واقع منتظر قريبا.
المصدر:1