استيلاد أطفال معدلين وراثيا: خطوة في تطور العلم أم تحدٍّ لأخلاقيات العلوم ؟
منذ عقود خلقت الهندسة الوراثية الكثير من الجدل في الأوساط العلمية و الاجتماعية، خصوصا عندما يتعلق الأمر بمنتوجات موجهة للاستهلاك البشري، أو بتطبيق التقنية على البشر أنفسهم. و يعد هذا الأخير الموضوع الأكثر إثارة للجدل، بسبب الإشكالات الأخلاقية التي يطرحها.
القمة العالمية للتعديل الوراثي المطبق على البشر، و التي انعقدت سنة 2015 بـ “واشنطن”، خرجت بتوصيات كان أهمها حصر التعديل الوراثي على علاج الأفراد المصابين، مع اجتناب استعماله في استيلاد أجنة معدلة وراثيا، أو في تحسين الخصائص العامة للمواليد. لكن النصوص القانونية المنظمة للمجال تختلف بين دول العالم. في الولايات الأمريكية المتحدة مثلا، يعتبر التعديل الوراثي للأجنة البشرية ممنوعا بشكل كلي. لكن دولا أخرى مثل الصين، تضع قيودا أقل حدة.
خلال الشهور الماضية، قام فريق من الباحثين الصينيين تحت إشراف ”جيانكي هي” (Jiankui He)، باستيلاد أطفال معدلين جينيا. و يتعلق الأمر بطفلتين (”لولو” و ”نانا”) تحملان جينة معدلة، و ذلك للتقليل من خطر الإصابة بالسيدا. و قد أعلن الفريق أن الطفلتين قد أبصرتا النور في صحة جيدة كأي طفل طبيعي.
في الدراسة المعنية، تم استعمال نظام ”CRISPR/Cas9” من أجل تعطيل الجين ”CCR5” في البيضة المخصبة المنتجة للطفلتين. الجينة المذكورة تنتج بروتينا يسمح باختراق الخلية من طرف الشكل الأكثر شيوعا للفيروس. و في تصريح مرئي لـ ”جيانكي هي”، قال هذا الأخير إن التطفر في هذه الجينة يحدث بشكل طبيعي و تلقائي لدى بعض الأفراد، مما يكسبهم مناعة طبيعية ضد المرض. كما أن تعديل هذا الجين قد أثبت نجاعته لدى بعض المصابين من البالغين. فما المانع إذًا من تطبيق نفس التقنية لحماية الأجنة المولودين لآباء حاملين للفيروس ؟
إن هذه االدراسة تطرح عدة إشكاليات أخلاقية، و تعرضت لهجوم سريع من عدة أطراف، حيث يعتقد المعارضون أن الأطفال المعدلين قد يكونون عرضة لبعض الأخطار الصحية أكثر من غيرهم. كما يخشون أن يفتح هذا الإنجاز الطريق لفكرة تصميم الأطفال، و التحكم في خصائصهم الجسدية و العقلية. إلا أن ”جيانكي هي” – المشرف على الدراسة – يؤكد على أن تطبيقات التقنية يجب أن تنحصر في المجال الصحي، و أن تصميم الأطفال و التحكم في خصائصهم العامة مرفوض من طرف فريق البحث.
و بالرغم من أن والدي الطفلتين حاملان لفيروس السيدا، إلا أن ذلك ليس كافيا لإعطاء الدراسة غطاء أخلاقيا، حسب المعارضين. و ذلك بسبب وجود طرق أخرى أكثر أمانا لحماية الطفلتين من الإصابة بالفيروس. مما يجعل الدراسة غير أخلاقية وغير ضرورية في ذات الوقت. و في هذا الصدد تعلق “جوزفين جونستون” (Josephine Johnston)، و هي محامية و متخصصة في أخلاقيات علوم الحياة، بأن الدراسة قد لا تكون إلا محاولة للفت الانتباه، لأن المجتمع العلمي لم يتفق بعد على سلامة الهندسة الوراثية بالنسبة للإنسان. و من جهة أخرى، فإن المئات من الباحثين الصينيين قد أدانوا الدراسة و طالبوا بفرض المزيد من المراقبة على هذا النوع من الدراسات. كما أن ”فينغ زانغ” (Feng Zhang)، و هو من العلماء البارزين في مجال الهندسة الوراثية في جامعة ”هارفرد”، قد دعا إلى حظر الدراسات في الهندسة الوراثية البشرية إلى أن يتم التأكد من سلامتها التامة. و من جهته يؤكد ”أنتوني فوسي” (Anthony Fauci)، مدير المعهد الوطني للحساسية و الأمراض المعدية بالولايات المتحدة الأمريكية، أن التعديل الوراثي لم يكن ضروريا لحماية الطفلتين من العدوى، و أن هناك وسائل فعالة و مقبولة أخلاقيا. و يؤكد نفس الباحث أن التقنية المستعملة في الدراسة قد تؤدي إلى تغييرات في جينات أخرى، مما قد يعرض الطفلتين لأمراض أخرى كالسرطان مثلا. كما أن تعديل الجينة لا يقي بشكل كلي من الإصابة بالسيدا، و ذلك لأنه لا يحمي من أشكال أخرى للفيروس، و إن كانت أقل شيوعا. كما أنها تجعل الأفراد الحاملين أكثر قابلية لبعض الفيروسات مثل ”فيروس غرب النيل”.
المصدر : ScienceNews