أبو الريحان البيروني
احتفى غوغل يوم الأربعاء الماضي بالعالم المسلم: أبو الريحان البيروني، فما الذي تعرفه عن هذا العالم الموسوعي؟ يُعتبر البيروني أحد ألمع الوجوه التي يمكن أن تعتز بها الثقافة العربية من خلال تاريخ الفكر الإسلامي وأكثرها جاذبية، وعلى الرغم من أن اسم البيروني يحتل مكانته من الأدب العربي في ميدان الجغرافيا والرحلات، إلا أنه يتبين لنا من خلال المصنفات التي سنراها أنه كان رياضيًا وفلكيًا وفيزيائيًا، وفيلسوفًا، وشاعرًا وأديبًا، وعالم اجتماع ومؤرخًا!
نعم كان كل أولئك، وبرز في كل فروع المعرفة الإنسانية هذه، وبعبارة أخرى: كان مؤلِّفًا انتظم نشاطه كل دائرة العلوم المعاصرة له، والتي تحتل بينها العلوم الرياضية والفيزيائية مكانة الصدارة عنده! وقد وصفه جورج سارتون في كتابه (مقدمة لدراسة تاريخ العلم) بقوله: “كان رحّالة وفيلسوفًا، ورياضيًا، وفلكيًا، وجغرافيًا، وعالمًا موسوعيًا، ومن أكبر عظماء الإسلام، ومن أكابر علماء العالم”. كما وصفه المستشرق الألماني سخاو بقوله: “أعظم عقلية عرفها التاريخ”. إنه أبو الريحان أحمد بن محمد البيروني الخوارزمي، الذي ولد في بلدة بيرون، إحدى ضواحي مدينة (كاث) عاصمة الدولة الخوارزمية، سنة (362هـ/ 963م)، والذي اطلع على فلسفة اليونانيين والهنود، وعلت شهرته، وارتفعت منزلته عند ملوك عصره. كان لمؤلفاته اليد الطُّولى في صناعة أمجاد عصر النهضة والثورة الصناعية في العالم الغربي؛ فقد حدَّد بدقة خطوط الطول وخطوط العرض، وناقش مسألة ما إذا كانت الأرض تدور حول محورها أم لا، وسبق في ذلك جاليليو وكوبرنيكوس، كما وضع قاعدة حسابية لتسطيح الكرة، أي نقل الخطوط والخرائط من الكرة إلى سطح مسطح وبالعكس؛ وبهذا سهل رسم الخرائط الجغرافية.. إضافة إلى الاكتشافات الأخرى العديدة في مجال الطبيعيات كما سنراها. وقد رحل البيروني إلى الهند وأقام فيها بضع سنين، نتج عنها كتابه الطائر الصيت، المعروف بكتاب الهند، والموسوم بـ (كتاب البيروني في تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة) أودع فيه نتيجة دراساته من تاريخ وأخلاق وعادات وعقائد وآداب وعلوم الهند، ومن جملتها ما كان عندهم من المعرفة بصورة الأرض. ويصف المستشرق روزن منذ أكثر من سبعين عامًا هذا الكتاب بأنه “أثر فريد في بابه، لا مثيل له في الأدب العلمي القديم أو الوسيط، سواء في الغرب أم في الشرق”!! وغير كتابه السابق كان للبيروني أيضًا كتب أخرى كثيرة ومهمة في ضروب مختلفة من العلم؛ ففي الجغرافيا ألَّف: تصحيح الطول والعرض لمساكن المعمور من الأرض، وتحديد نهايات الأماكن لتصحيح مسافات المساكن، أمَّا في التاريخ فله: تصحيح التواريخ، والآثار الباقية عن القرون الخالية. وفي الفلك كان له مؤلفات عديدة، مثل: الاستشهاد باختلاف الأرصاد، واختصار كتاب البطليموس القلوذي، والزيج المسعودي، والاستيعاب لوجوه الممكنة في صنعة الإسطرلاب، وتعبير الميزان لتقدير الأزمان، وقانون المسعودي في الهيئة، وفي الرياضيات أُثِرَ عن البيروني مؤلَّفات عِدَّة كاستخراج الكعاب والأضلاع وما وراءه من مراتب الحساب، وكتاب الأرقام. ورغم اهتمامه بالعلوم التطبيقية، إلا أن البيروني كان ذا باعٍ طويل في الأدب أيضًا؛ لذا كتب شرح ديوان أبي تمام، ومختار الأشعار والآثار. كما كان صاحب مؤلَّفات عديدة في الفلسفة، مثل: كتاب المقالات والآراء والديانات، ومفتاح علم الهند، وجوامع الموجود في خواطر الهنود، وغير ذلك العشارت من المؤلَّفات الضخمة. وبهذه المؤلفات يكاد البيروني يكون قد ألَّف في كل فروع المعرفة التي عهدها عصره؛ فقد كتب في الرياضيات والفلك والتنجيم والحكمة والأديان والتاريخ والجغرافيا والجيولوجيا والأحياء والصيدلة.
– د. راغب السرجاني [عن موقع قصة الإسلام]