تمكن باحثون أمريكيون من معالجة العديد من المرضى المصابين بسرطان الدم، بفضل إعادة برمجة اللمفاويات التائية في الدم.
رغم الانتقادات الموجهة للعلاج الجيني أحيانا بسبب فشله، برز هذا العلاج كأحد أهم توجهات البحث الحالية لمعالجة بعض الأمراض. تتمثل هذه التقنية في إدخال قطعة من الحمض النووي في الجسم بغية تعويض مورثة مختلة أو تغيير التعبير الجيني لمورثة مريض ما. في كثير من الأحيان، يكون العلاج الجيني خارج الجسم الحي (ex vivo)، مما يعني استقطاع الخلايا، تعديلها وراثيا ثم أخيرا إعادة حقنها في جسم المريض. في هذه الحالة، يتعلق الأمر بالأحرى بعلاج يجمع بين العلاج الجيني والخلوي.
يشكل العلاج الجيني خارج الجسم الحي استراتيجية واعدة لمحاربة سرطان الدم الذي يصيب الخلايا الجذعية للنخاع العظمي المسؤولة عن إنتاج خلايا الدم. منذ سنوات قليلة، أثبتت عدة تجارب على الإنسان والحيوان أهميته. فمثلا في سنة 2012، أثارت قصة الصغيرة إيما شفقة العالم بأكمله. فبعد أن اشرفت على الموت إثر حصتين من العلاج الكيميائي غير الفعالة، خضعت الفتاة ذات السبع سنوات لعلاج جيني خارج الجسم الحي. وهي الآن تتماثل للشفاء ولا أثر لأي خلايا سرطانية في جسمها. رغم ذلك، فنجاح هذه التكنولوجيا غير مضمون دائما، ووفاة مريضين خضعا لهذا النوع من العلاج خير دليل على ذلك.
في دراسة جديدة نشرت بمجلة Science Translational Medicine، اثبت باحثون بمركز ميموريـال سلون كاترينغ للسرطان بنيويورك (الولايات المتحدة) فعالية العلاج الجيني في معالجة سرطان الدم. وبفضل تقنيتهم الطبية، تعافى أكثر من نصف المرضى المشاركين.
من أجل إجراء هذا الاختبار، استعان الباحثون ب 16 شخصا بالغا مصابين بلوكيميا ليمفاوية حادة من نوع باء. هذا النوع من السرطان يتسم بتضاعف مفرط للخلايا اللمفاوية البائية المعتلة في الدم. للأسف، فالعلاج الكيميائي غير فعال، وعمليات زراعة النخاع العظمي نادرة. وحاليا، يشكل العلاج الجيني أملا للأشخاص المصابين بهذا المرض.
قام الباحثون حديثا بتجربة الاستراتيجية المعتمدة على الفئران. وتتمثل في استخلاص الخلايا اللمفاوية التائية للمرضى وتحويلها وراثيا بواسطة الفيروسة البطيئة (lentivirus) لتنتج مضادات أجسام معينة تدعى مستقبلات المستضد الخيالية (Chimeric antigen receptor). هذه الأخيرة قادرة على الارتباط بالمستقبل CD19 الذي يوجد فقط على سطح الخلايا اللمفاوية البائية ومن ثم تدميرها. بمعنى آخر صنع الباحثون آلات تقتل الخلايا اللمفاوية البائية المسرطنة. عندما تحقن في دماء المرضى، تهجم على ضحاياها وتقضي على السرطان. مع ذلك، يمكن أن يؤدي العلاج إلى ظهور أعراض جانبية كالزكام الحاد المصحوب بالحمى، أوجاع عضلية وهبوط في الضغط الدموي.
دنيس بيلي، أحد ساكنة بنسيلفانيا، كان أول مريض استفاد من هذا العلاج في هذه الدراسة سنة 2002. بعد عشر سنوات من ذلك، أجريت له عملية زراعة النخاع العظمي، ولا أثر للسرطان في دمه. ستة مرضى آخرين ممن شملهم البحث خضعوا لعمليات زراعة النخاع العظمي، وهم يتابعون حياتهم بشكل عادي. باقي المشاركين لم يحظوا بهذا، إما لسبب طبي، اختيار شخصي، أو عدم التعافي التام. في المجموع، 44 بالمئة من المرضى شفوا تماما.
” النتائج مبهرة وتبين أن العلاج الجيني خارج الجسم الحي يمثل الطريقة الفعالة للمرضى الذين يئسوا من طرق العلاج الأخرى” يختم ميشيل ساديلان، أحد المشاركين في البحث. يسعى الباحثون لتطبيق هذا النوع من العلاج مستقبلا على أنواع أخرى من السرطان.
ترجمة: تورية سليماني
تدقيق لغوي: رشيد لعناني