نظرية النسبية العامة: الجزء الأول بوادر النظرية

بفضل مخيلته الواسعة و سعيه الدؤوب لفهم أعمق للظواهر الفيزيائية، سيتوصل آينشتاين لفهم حقيقة الجاذبية. سيكلف هذا البحث آينشتاين سنوات من العمل الشاق في عالم الرياضيات على وجه الخصوص في محاولة لترجمة حدسه إلى معادلات رياضية دقيقة. يقول آينشتاين : ” لم أعمل بهذا الكد و الجد من قبل، والآن أكن للرياضيات احتراما و تقديرا كبيرين”.

في عام 1905، قام آينشتاين بصياغة نظرية النسبية الخاصة التي أثارت انتباه علماء كبار. ففي خريف 1907، طلب الفيزيائي الألماني يوهانس شتارك (1874-1957) من آينشتاين كتابة مقال يلخص فيه نقط النظرية، في مجلة علمية ألمانية. و بناء عليه، تم التطرق إلى أهم معالم النظرية المتمثلة في ثبات سرعة الضوء و التخلي عن الفضاء و الزمن المطلقين و كذى العلاقة بين الكتلة و الطاقة…لم يكن هذا المقال سوى بداية رحلة طويلة أدت إلى خلق أجمل تحفة في تاريخ الفيزياء : مفهوم الجاذبية و فق نظرية النسبية العامة.

 كل ما كنا نعرفه حتى مطلع القرن العشرين يعود لأكثر من قرنين، و ذلك مع أعمال إسحاق نيوتن(1643-1727).

تقوم أعماله حول فكرة رئيسة مفادها أن كل الأجسام ذات كتلة تتجاذب فيما بينها وفق قوة تتناسب و جداء كتلتيهما و تتناسب عكسيا مع مربع المسافة الفاصلة بينهما. وهذا ما مكن من تفسير دقيق لحركة الكوكب و سقوط الأشياء كتفاحة نيوتن الشهيرة و كذى حركة الأجسام فوق كوكبنا. و لكن آينشتاين لم يكن مقتنعا تماما بهذه النظرية و ذلك راجع إلى عدة أسباب أهمها :

1. لم يعط نيوتن فهما عميقا لقوة الجاذبية، ما هي ماهيتها الحقيقية ؟

2. الجاذبية تنتشر بشكل آني ، أي بسرعة لا متناهية و هذا مناف لأهم مبادئ نظرية النسبية الخاصة.

3. كان آينشتاين مهتما بتوحيد الظواهر في نظرية واحدة. و بناء عليه كان حريا به أن يحاول تعميم نظرية النسبية الخاصة ( المقتصرة على الحركات المستقيمية المنتظمة).

و لكن ما يثير الإعجاب، بل الذهول ، هو كون الفكرة التي انطلق منها عالمنا لفهم الجاذبية تعد بسيطة في ظاهرها رغم صعوبة النظرية من حيث معادلاتها الرياضية. ترقبو الفكرة في الجزء الثاني ، و لكن الأهم : حاولو أن تفكرو في الأمر بأنفسكم و ستتوصلون إلى أن النظرية في أصالتها بسيطة و أنيقة.

 

المصدر : مجلة Science et avenir العدد  180 : يناير-فبراير 2015