معالجة مرض الشلل الرعاش بحل ألغاز الحركة

حدد العلماء هدفا جديدا لعلاج مرض الشلل الرعاش أو ما يعرف بمرض الباركنسون، وذلك من خلال الكشف عن منطقة المخ التي تتحكم في المشي.

hands-981400_1920

كُشف أخيرا عن سرين من بين أسرار منطقة في الدماغ تعد من بين أكثر المناطق التي اكتنفها الغموض، فقد أظهر زوج من الدراسات الحديثة التي قادها علماء معاهد جلادستون منطقة عصبية محددة بالدماغ تتحكم في السير، وتبين تضرر هذه الأخيرة عند الإصابة بهذا المرض. فالمشي بالنسبة لنا هو حركة قدمين سهلة و في غاية البساطة لكن بالنسبة لمرضى الباركنسون فهذه الحركة البسيطة هي تحد كبير!

ويحدث الشلل الرعاش نتيجة استنفاذ مادة كيميائية عصبية مهمة: الدوبامين في العقد القاعدية التي تصنف ضمن المناطق الأكثر أهمية في الدماغ حيث تتدخل في عدة وظائف أساسية، مثل الحركة والتعلم والمكافأة والتحفيز. وفي الباركنسون يختل توازن مسلكين في العقد القاعدية: المسلك المباشر أو المُنشط و المسلك غير المباشر أو المُعطل. فعادة يعمل الإثنان معا بسلاسة قصد التحكم في الحركة لكن عند الإصابة يُغطي المسلك المُعطل على نظيره لتصعب بذلك الحركة. وكيفية حدوث هذا الاختلال بين المسلكين يعد للآن لغزا محيرا.

تصحيح إختلال التوازن بالدماغ

حسب الدراسة العلمية، فقد اكتشف العلماء بقيادة أناتول كريتزر أن نقص الدوبامين يسبب اضطراب اتصال العقد القاعدية بمنطقة أخرى تدعى المهاد حيث يعتقد أنها منطقة توصيل المعلومات الحسية للدماغ. سوء الاتصال هذا يسفر عن فقدان صلة المسلك المُنشط بالمهاد وبذلك تضطرب الحركة.

وتعطيله يعكس الاختلال بين المسلكين لتتم استعادة السلوك الطبيعي لنموذج فأر مصاب.

وقال فيليب باركر طالب بالدراسات العليا في مختبر الدكتور كريتزر بمعاهد جلادستون و جامعة كاليفورنيا سان فرانسيسكو، أن هذه الدراسة تقدم دليلا قويا على آلية تغلب المسلك المُعطل على الآخر المُنشط في مرض الشلل الرعاش، ويضيف أن النتائج تؤكد على تدخل المهاد في تطور المرض، هذه المنطقة التي لم تحظى بالإهتمام اللازم في البحوث و الدراسات المتعلقة بالمرض.

ويقول في نفس الصدد الدكتور كريتزر: “استهدفت عدة دراسات المهاد بالتحفيز الدماغي العميق لمعالجة الباركنسون لكن دورها في المرض لم يكن محددا”، ويردف نفس المتحدث أن هذه النتائج قدمت أخيرا رؤية واضحة المعالم حول كيف يمكن للمهاد أن تؤثر على الدارات العصبية لتتعذر الحركة في هذه الحالة.

كيف يتحكم الدماغ في المشي ؟

في دراسة ثانية صدرت في”Cell” ، اكتشف العلماء أن المسلكين المنشط والمعطل بالعقد القاعدية يتحكمان في الحركة من خلال تنظيم مجموعة من الخلايا العصبية بجذع الدماغ الرابطة بين كل من المخ و النخاع الشوكي .

وقد أظهرت الأبحاث أن المسلك المنشط ينشط بشكل انتقائي نوعا من الخلايا العصبية بجذع الدماغ مسؤولة عن الحركة تفرز مادة كيميائية عصبية الغلوتمات.  

و استخدم العلماء تقنية متطورة “علم البصريات الوراثي” التي تعتمد على الضوء لتنشيط وتوقيف خلايا محددة في الدماغ، و هنا استعملت لتنشيط المسلك المُنشط أو المعطل لفأر تجارب يدور في دولاب صغير بينما يُسجل النشاط العصبي بجذع الدماغ. فتوصلوا إلى أن المسلك المنشط يُفعّل بطريقة انتقائية الخلايا المفرزة للغلوتمات مسببا بذلك حركة الفأر في حين أن المسلك المعطّل يعطلها ليتوقف الفأر.

ويقول توم روسبري طالب بالمختبر عينه:” إنها المرة الأولى التي نتمكن فيها من البرهنة على كيفية تدخل المسلكين المنشط والمعطل في الحركة”؛ ويضيف :”لقد تمكنا من إظهار الارتباط الدقيق بين العقد القاعدية وجذع الدماغ الذي يسيطر على الحركة.”

و الأمر الملفت للنظر هو اكتشاف الباحثين أن خلايا جذع الدماغ يمكن أن تتقدم على الإشارات القادمة من العقد القاعدية، فبمجرد تفعيل الخلايا العصبية المفرزة للغلوتمات يتحرك الحيوان حتى ولو نُشّط المسلك المعطّل.

و في الأخير يؤكد الدكتور كريتزر على ضرورة تحديد الدوائر العصبية المتحكمة في الحركة قصد فهم تعطل السير في مرض الشلل الرعاش، ويردف أن هذه الدراسة أظهرت مجموعة محددة من خلايا جذع الدماغ كافية وضرورية للحركة. هذه النتيجة تفتح المجال أمام البحث عن علاج جديد لمرضى الشلل الرعاش لتسهيل حركتهم و الحد من معاناتهم .


المصدر:معهد غلادستون