هوفمان والأسبيرين

لا يكاد يخلو مكتب أي طبيبٍ أو أية مصحة من الأسبيرين؛ الدواء المضاد للألم الاكثرُ شعبية في العالم. هذا المخدر المتعدد الاستعمالات تم الحصول عليه بعد ثلاث سنوات من العمل المشترك بين فيلكس هوفمان والشركة الألمانية الشهيرة للصناعات الكيميائية  BAYER.

Aspirin-4-BM-Bayern-Duesseldorf

ولد هوفمان في 21 من يناير سنة 1868م بمدينة لودفيكسبورغ، تخصصَ في الصيدلة والكيمياء ليحصل على شهادة الدكتوراه سنة 1893م من جامعة ميونخ، ثم بدأ مشواره العملي كيميائيا بشركة BAYER مباشرة سنة 1894م. كانت معاناة والد هوفمان مع داء التهاب المفاصل بمثابة إلهام له للبحث عن مادة كيميائية قد تنسي والده آلام المرض اليومية.

بدأ هوفمان بحثه بدراسة متعمقة للنتائج التاريخية وكل الأبحاث التي على علاقة بعلاج الآلام، بما في ذلك أبحاث ابقراط -المعروف بأب الطب- الفيزيائي اليوناني الذي عاش في الفترة 400 قبل الميلاد. أفادت هذه الوثائق بأن الأدوية المستخرجة من قشور وأوراق أشجار الصفصاف قد تم استعمالها منذ ذلك العهد كعلاج للآلام والحمى. بعد ذلك، في بداية القرن 19، تم تشخيص مادة ساليسن salicin على أنها المسؤول المباشر عن إزالة الألم. وفي الفترة مابين 1800م و1835م، قام كيميائيون من ألمانيا وفرنسا وإيطاليا باستخراج الساليسن وتحويلها إلى حمض الساليسيليك -الحمض الصفصافي- وتم تطهيره من أجل الاستعمال البشري، لكن رغم ذلك لم يكن بوسع معدة الإنسان تحمل هذا الدواء. وفي سنة 1853م قام الباحث الفرنسي بإيجاد طريقة لجعل هذا الخليط محايداً، حين قام بدمجه مع الصوديوم وكلوريد الاسيتيل، وبالرغم من أن أبحاثه توقفت هنا إلا أن ما توصل إليه ظل ثابتاً ولم يتم الوصول إلى صيغة أكثر تطوراً من بعده.

قام هوفمان بدراسة عميقة لما توصل إليه العالم الفرنسي، وقام بإعادة تجاربه شخصياً، هادفا بذلك إلى إيجاد صيغة ثابتة وقابلة للتخزين لكي تتمكن شركته من تسويقها، إلى أن تسنى له ذلك يوم 10 من غشت 1897م، وذلك حين نجح بجمع حمض الساليسيليك مؤستل -أي بإقحام جزيئات الأستيل فيها- مع حمض الإيثانويك  Acetic acid، ليكون الناتج هو حمض أسيتيل الساليسيليك  acetylsalicylic acid، أو ASA، الملائم للاستهلاك البشري والكفيل بإبعاد الحمى والآلام دون إلحاق الأدى بالمعدة. وقد صرح هوفمان بتجريبه لمختلف ما توصل إليه في أبيه المريض وكانت ASA الأكثر نجاعة. أطلقت BAYER سنة 1899م على هذا المنتوج اسم أسبيرين ليصبح بسرعة علامة تجارية عالمية. تلقى بذلك هوفمان ترقية وأصبح مدير تسويق الأدوية. جاءت تسمية الأسبيرين ASPIRIN بهذا الاسم نظرا لكون الحرف A يشير الى الأسيتيل، و SPIR تشير إلى spiraea ulmaria، وهو الاسم اللاتيني للنبتة التي تم الحصول على حمض الساليسيليك منها، فيما تعتبر IN إضافة متداولة في ميدان الطب والصيدلة.

 في البداية قامت باير BAYER بتوزيع الأسبرين على الأطباء لتُعطى للمرضى في صيغة مسحوق، وفي عام 1900م قدم باير أقراص قابلة للذوبان في الماء، وهو ما يمثل الدواء الأول من نوعه الذي يتم بيعه على هذا الشكل. وفي سنة 1915م أصبحت الوصفات الطبية غير ضرورية للحصول على الأسبرين، ليصبح بعدها الدواءَ الأكثر شعبية في العالم.

رفضت ألمانيا منح براءة الاختراع لتطوير ASA لهوفمان، لكن الولايات المتحدة قبلت بذلك، ليحصل هو وشركة BAYER عليها في 27 من فبراير 1900م (براءة الاختراع رقم 644077)، لتحتكر هذه الشركة صناعة الأسبيرين للمدة مابين 1900-1917 (احتكار تكسر بسبب معاهدة فرساي عقب نهاية الحرب العالمية الأولى والتي ألقت بظلالها على البلد والشركة أيضا وأجبرتها على تنازلات).

رغم إنجاز هوفمان الذي أنقذ العديد من الأرواح، والذي أصبح متاحا دون وصفة طبية، فلم يجن ثروة كبيرة منه وحافظ على حياةٍ هادئة حتى 8 من فبراير 1946م تاريخ وفاته في سويسرا. يشار إلى أن العالم جون فان كشف سنة 1971م أن المادة الكيميائية في الأسبيرين تمنع الألم بتثبيطها وتوقيفها لتطوير البروستاغلاندين  prostaglandinsالذي يلعب دوراً في تحفيز الدماغ للإحساس بمنطقة الألم، وهذا التشخيص الذي كشف إحدى أسرار الأسبيرين نال على إثره هذا العالم جائزة نوبل للطب سنة 1982م.

المصدر : 1

الصورة : 2