لماذا ندرس الرياضيات؟( الجزء الأول)

كثير منا درس أو يدرس الرياضيات، منا من قد يعلم شيئا من أهميتها ويستغرب لهذا السؤال الذي قد يبدو له ساذجا؟ وكأنك تتساءل لما نتنفس؟ حسسنا، لكن منا أيضا من لا يعلم أهمية هذا العلم ولما ندرسه منذ نعومة أصابعنا ولما يتم التأكيد على أهمية هذه المادة في مختلف مناهجنا التعليمية وخاصة في الشعب العلمية؟ ولماذا لا يمكنك أن تجد عالما فزيائيا؟ أو فلكيا؟ أو كميائيا؟ أو بيولوجيا؟ أو معلومياتيا؟ دون أي معرفة رياضية، هذا ان لم يكن متمرسا في الرياضيات. اذن للاجابة عن السؤال : “لماذا ندرس الرياضيات؟” يجب أن نتعرف أولا فضل الرياضيات على شكل الحياة الذي نعيشه اليوم ودورها كعلم واكب العصور وتطور من أجل خدمة العلوم الأخرى في سبيل فهم العالم والتحكم به ثم تسخيره لخدمة البشرية، كي لا نطيل عليكم سوف نتطرق الى الدور الأساسي الذي تلعبه الرياضيات في شتى المجالات العلمية والتي بلا شك تعلمون فضل العلوم على حياتنا اليومية.

1-howmathemati

منذ الأزل سعى الأنسان إلى التحكم في محيطه محاولا أقلمة بيئته وتسخيرها لصالحه، وذلك بما تمليه عليه غرائزه الطبيعية في البقاء والتكاثر والأمان، فوظف عقله لفهم واستيعاب محيطه شيئا فشيئا، فكان يلاحظ ويجرب ويستنتج ويتعلم، مكونا تصورات ساذجة وبسيطة تفسر الظواهر التي كان يعاين، فطورعبر التاريخ نظرته الساذجة والبسيطة لهذه الأشياء والظواهر التي تحيطه تدريجيا إلى تأويلات وفرضيات أكثر دقة وشمولية، وقد ساعد في ذللك عدة عوامل منها تطور الآليات العقلية وطرق التحليل والتفكير التي كان يستخدمها لتقصي الحقائق والتوصل إلى “فهم” دقيق ومضبوط – نسبيا – لما يراه، تجلت هذه الآاليات في علم الفلسفة وتياراتها الأمبيرية والراسيونالية ومناهج البحث العلمي والتجريبي وصولا إلى فروع علوم الحياة المعاصرة من بيولوجيا وجيولوجيا وعلوم فزيائية وكميائية…

في العلوم بصفة عامة نسعى أولا وأخيرا لفهم الكون و الظواهر الطبيعية التي تؤطرنا، فهما دقيقا انطلاقا من ماهو ملموس وصولا الى ما هو مجرد، وفي سبيل ذلك – في إطار العلوم – فنحن نتعامل مع “نماذج” من الحقيقة، وليس أبدا الحقيقة نفسها، أي نسعى إلى “نمذجة” الحقيقة لفهمها جيدا. قد يبدو الأمر بسيطا في مجمله إلا أن النجاح في وضع نموذج دقيق يمثل جزءا من واقع أو ظاهرة معينة نريد دراستها ليس بهذه البساطة.

بدون أدنى شك، فان المنهجية الأكثر أهمية وصعوبة في المنهج العلمي، المرور من الملموس إلى المجرد، من الملاحظة إلى ترجمتها الرسمية. الشيء الذي يتطلب القدرة على استنباط تمثيل مبسط من العالم الحقيقي...” – النشرة الرسمية للتربية الوطنية بفرنسا سنة 1999

حاول الإنسان على مر تاريخ العلوم نمذجة ظواهر معينة، فكانت تتعاقب نماذج لنفس الظاهرة إما تحل الواحدة محل الأخرى لشموليتها ودقتها (نموذج بطليموس عن الكواكب ثم كبرنيك وكيبلر) وإما تأتي لتوضع جنبا لجنب مع النموذج السابق وذلك لأن كل نموذج يمثل جانبا من حقيقة الظاهرة المعينة ولا يتناقظان بل كل نموذج صالح حسب نوع ومبتغى الدراسة ( الضوء في نموذجه الجسيمي والموجي – نموذج هندسي لدراسة سقوط أشعة ضوئية ونموذج موجي لدراسة الانكسار كما يمكن أيضا أن نجد نماذج بغرض فهم الظاهرة في مستوى معين ويجب اللجوء إلى نموذج اشمل اذا ما أردنا فهم هذ الظاهرة بشكل أعمق (نموذج بور Bohr للذرة والذي يقف حده عند الفزياء الكيمومية، أو النموذج الهدروليكي للتيار الكهربائي رغم أنه يمكننا من تكوين صورة أولية عن التيار الكهربائي إلى أنه يبقى جد جد محدود لفهم الكهرباء ودراسة مختلف الظواهر المرتبطة بها)

إن أهمية النموذج تكمن في مدى دقته وقدرته على التنبأ، فالنموذج ثلاثي الوظيفة : ينبغي أن يصف، ويفسر، ثم يتنبأ بالحقيقة. فان لم يستطع التنبأ بالحقيقة بشكل دقيق أو ثبت تناقض عبر التجربة، فان النموذج يعد ضعيفا…

قد تتساءلون وما علاقة كل هذا بالرياضيات؟ حسن، في الجزء القادم سنتطرق إلى دور الرياضيات المحوري في عملية النمذجة هذه، وكيف لولا الرياضيات كعلم لكان من الصعب جدا حتى تصور العالم المعاصر كما نعيشه اليوم.

( يتبع …)

المصادر :   1 ، 2 ، 3 ، 4 ، 5 ، 6