الماء، الجزيئة المعجزة (2)

معلوم أن الماء يتمدد وتنخفض كثافته عندما يتجمد، عكس أغلب المواد الأخرى التي تزداد كثافتها عند التجمد حسب القاعدة العامة للعلاقة بين الكثافة ودرجة الحرارة. فضلا عن هذه الخاصية، يمكن لمكعبات الثلج أن تطفو في المشروبات، وتعد هذه الخاصية مهمة في حماية الكائنات الحية التي تعيش في الماء، فمع انخفاض درجة الحرارة تتجمد طبقات الماء العليا فقط، فتطفو على سطح الماء وتعزل بقية الماء تحتها عن برودة الجو، فيبقى سائلاً ويسمح باستمرار الحياة.

في الحالة السائلة يحتاج الماء إلى طاقة حرارية للحفاظ على استمرار الحركة العشوائية للجزيئات. لكن عند انخفاض درجة الحرارة إلى درجة تساوى أو تقل عن الصفر المئوي، تفقد جزيئات الماء طاقتها، وتقل حركتها، وتتخذ ترتيبا منظما بفضل الروابط الهيدروجينية، مما يزيد من الفراغات بين جزيئات الماء، لذلك يتمدد حجم الماء وتقل كثافته بنسبة تقارب %9 .

تنظيم جزيئات حسب الحالة الفيزيائية

تنظيم جزيئات الماء حسب الحالات الفيزيائية

تتميز بلورات الثلج بميزة فريدة وهي أنها تختلف في أشكالها اختلافاً كبيراً. ويُقال أنه لا يوجد بلورتا ثلج متشابهتين، وسبب هذا التباين هو التغيرات العديدة في درجات الحرارة والرطوبة التي تتعرض لها بلورات الثلج المتساقطة خلال رحلتها الطويلة نحو الأرض. قد يبدو لكم هذا الأمر خياليا للوهلة الأولى، لكن باعتبار أن كل بلورة ثلج تحوي 10أس18جزيئة ماء تقريبا، يمكنكم تخيل العدد الهائل من الأشكال الهندسية التي يمكن تشكيلها.

cristaux-neige-1.image

مثال لبعض الأشكال الهندسية لبلورات الثلج [Wikipédia]

يعد الماء أيضا عنصرا ديناميكيا فهو يتنقل باستمرار على الأرض عبر مراحل دورة الماء المعروفة (تبخر، تكاثف، تساقط…). نفس الشيء يحدث داخل الكائنات الحية حيث تترابط ذرات الأكسجين والهيدروجين باستمرار لتكوين الماء عن طريق عمليتي التركيب الضوئي والتنفس.

تجدر الإشارة إلى أن جسم الإنسان يمكنه إنتاج الماء؛ فعند تفكك جزيئة غليكوز داخل الخلية تُنتج ست جزيئات ماء حسب تفاعل يتكرر 6*10أس24 مرة في اليوم. رغم ذلك، لا يكفي هذا الماء المنتج لسد حاجياتنا اليومية.

ويشكل ماء المحيطات حوالي %97 من حجم الماء الموجود على سطح الأرض، إلاّ أن هذا الماء مالح ولا يصلح للاستخدام الآدمي. أمّا كمية الماء العذب، فلا تتجاوز %3 من الماء الموجود في الكرة الأرضية. بما فيها %70 من المياه الجامدة. بالتالي، وعلى الرغم من كبر المساحة التي يغطيها الماء من سطح الكرة الأرضية إلا أن نسبة الماء المتاحة للإنسان هي جد ضئيلة. يتنبأ بعض العلماء بأن الماء العذب قد يصبح يوما ما في القرن الواحد والعشرين أغلى قيمة من البترول نفسه.

على غرار مقولة اينشتين”توجد طريقتان للعيش: إما أن تعيش وترى كل شيء معجزة أو تعيش ولا ترى أي شيء معجزة”، يرى معظمنا الماء كأنه شيء عادي ومتواجد بوفرة إلا أن نظرة العلماء والفيزيائيين تختلف تماما عن ذلك لأنهم يرون فيه شيئا من الإعجازية.

المصدر : Phys