قوس روماني قديم

القصص الجميلة للفيزياء -القصة رقم 8: الأقواس المعمارية

عرفت الفيزياء منذ بدايات دراستها تطورات عديدة ونظريات مختلفة، تشكل في مجملها قصصا جميلة يسر المجتمع العلمي المغربي تقديمها لكم في هذه السلسلة من المقالات. سنحاول الإلمام بشكل مختصر وبسيط بكل ما هو مفيد ومهم في الفيزياء، منذ الانفجار العظيم إلى ثورة الفيزياء الكمية. نتعرف في هذه الحلقة على الأقواس الهندسية المستعملة في المنشآت المعمارية.

إعداد: أسامة الحمزاوي/ التدقيق اللغوي: رشيد لعناني

الزمن: 1850 سنة قبل الميلاد

تعرف الأقواس في الهندسة المعمارية على أنها هياكل منحنية تغطي مكانا معينا وتحمل وزن المبنى المتواجد فوقها. وأصبحت الأقواس مضرب المثل في الصلابة والمتانة الناتجة عن الاحتكاك بين أجزائها، حيث يقول الكاتب سينيك (Sénèque): “مثل القوس، لن يستقيم المجتمع الإنساني إلا بالضغوط المتبادلة بين أطرافه”. كما أن مثلا هنديا قديما يؤكد أن “القوس لا ينام أبدا”، في إشارة لصموده عبر الزمن.

ويعد باب عسقلان بفلسطين المحتلة أقدم باب على شكل قوس، حيث بُني حوالي سنة 1850 قبل الميلاد. كما أن أقواس مدن بلاد الرافدين أقدم بكثير من ذلك. إلا أن الإستعمال الأكثر أهمية للأقواس يعود لروما القديمة التي طبقت فيها هذه التقنيات الهندسية الرائعة على مجموعة واسعة من المباني.

وتستعمل الأقواس في المباني لتوزيع الحمل الثقيل الذي يطبقه الجزء العلوي إلى قوى أفقية وقوى عمودية مطبقة على الأعمدة الداعمة. وتبنى الأقواس عموما على شكل وحدات ركنية تسمى لبنات العقد، وتتميز بقابلية الالتحام ببعضها البعض. وتوزع مساحات الوحدات المتجاورة الضغط بشكل شبه منتظم. وتسمى اللبنة الوسطى الموجودة في أعلى القوس حجر الارتكاز، ويعتمد عليها بشكل كبير خلال عملية البناء، حيث يوضع عليها إطار خشبي يصل إليها ليصبح القوس ذاتي الحمل.

تتوفر الأقواس على مميزات عديدة مقارنة بباقي الهياكل الهندسية والمعمارية القديمة، فمن السهل تنقيل قطعها من منطقة لأخرى كما أنها تتيح إمكانية بناء أبواب بأنواع وأحجام مختلفة. إضافة إلى ذلك توزع الأقواس قوى الجاذبية بشكل شبه متعامد مع الأسطح الداخلية للبناتها، ويؤدي ذلك طبعا إلى نشوء قوى جانبية، متمركزة على الأطراف السفلى للقوس، وبالإمكان مقاومتها عبر إنشاء حائط مثلا. ويبقى الجزء الأكبر من قوة القوس عبارة عن ضغط على لبناته المصنوعة عادة من الأحجار أو الإسمنت أو أية مادة تقاوم بشكل جيد هذا الضغط.

وقد اعتمد الرومان على حيلة ذكية لمقاومة وصد القوى الجانبية المطبقة على أسفل المبنى، وهي بناء الأقواس جنبا إلى جنب، حيث يقاوم كل قوس القوى المطبقة على القوسين المحيطين به.

المصدر: اعتمدنا في إنجاز هذه السلسلة على كتاب “أجمل كتاب للفيزياء” لكليفورد بيكوفر إضافة إلى بعض الاجتهادات والمقالات التي نعتبرها مهمة وتدخل في إطار السلسلة.