الذكاء الاصطناعي

ما هو الذكاء الاصطناعي؟

من الصعب الإجابة عن هذا السؤال بطريقة مباشرة، وذلك لغياب إجماع العلماء على تعريف كلمة “ذكاء اصطناعي”، كما أن كلمة “ذكاء” نفسها تفتقر إلى هذا الإجماع لتعريفها. إلا أننا سنقدم بعض محاولات التعريف لتقريب المضمون من القارئ، الذكاء هو:

  • دراسة المَلَكَات العقلية عبر نمذجة حسابية. شارنياك وماكديرموت، سنة 1985 .
  • تصميم “وكلاء أذكياء”. بول Poole وآخرون،  سنة 1998.
  • مجال يدرس إمكانية جعل الحاسوب يقوم بأعمال يتفوق فيها حاليا الإنسان على الآلة. ريش  و نايت  سنة 1990.
  • أتمتة Automation الأنشطة المتعلقة بالبرهنة والتفكير الإنساني، مثل أخد القرارات وحل المسائل المعقدة والتعلم. بيلمان، سنة 1978.
  • دراسة تقنيات تمكن الوكلاء من الإدراك والتفكير المنطقي والتفاعل مع العالم المحيط بهم. وينستون، سنة 1992.
  • دراسة الكيانات ذات السلوك الذكي. نيلسون، سنة 1998.

تتفق هذه المحاولات التعريفية على كون الذكاء الاصطناعي يهدف إلى خلق أنظمة ذكية، ولكنها تختلف في تعريف الذكاء. فهناك من يركز على سلوك النظام وآخرون يعتبرون أن الخوارزميات الداخلية (البرهنة والتحليل) هي الأهم. يمكننا أن نجد اختلافا آخر بين من يعتمد على الإنسان لتعريف الذكاء ومن ينظر إلى هذا الأخير عبر مرجع عقلاني عام. يمكن إذن أن نستخلص أربع رؤى للذكاء الاصطناعي:

  1. صنع أنظمة ذات تصرفات مشابهة لتصرفات الإنسان: حظي هذا التعريف العملي للذكاء الاصطناعي بانتشار واسع خصوصا مع أعمال ألان تورينغ الذي صمم المعيار الشهير “اختبار تورينغ”. ينص هذا الاختبار على أن بالإمكان اعتبار آلة ذكيةً إذا استطاعت التواصل بطريقة لا يمكن التفريق بينها وبين تواصل إنساني.
  2. صنع أنظمة تفكر مثل الإنسان: في إطار هذه الرؤية للذكاء الاصطناعي، نعتبر هذا المجال علما تجريبيا. حيث يجب علينا فهم طريقة تفكير الإنسان أولا حتى نتمكن من مقارنتها مع طريقة تفكير آلة وتحديد مدى تقاربهما.
  3. صنع أنظمة تفكر بعقلانية: حسب هذا المنظور، يجب على الأنظمة أن تفكر بطريقة عقلانية، تحترم فيها قواعد المنطق. يمكننا انتقاد هذا التعريف باعتبار بعض القدرات خارجة عن نطاق المنطق (مثل قدرات الإدراك). إضافة لذلك، فلا يمكن للآلات أن تصل إلى هذا المعيار العقلاني لأن التكنولوجيا المتوفرة حاليا لا تسمح بالقيام بحسابات بهذه الدرجة من التعقيد.
  4. صنع أنظمة ذات تصرفات عقلانية: في إطار هذا المنظور، يضم مجال الذكاء الاصطناعي تطوير وكيل يعمل على الوصول إلى أهدافه على أكمل وجه. هذا التعريف أشمل من التعريف السابق، حيث أن التفكير بعقلانية تصرف عقلاني ولكنه ليس الوحيد. فيمكننا مثلا أن نعتبر تحريك اليد بعيدا عن مصدر حارق تصرفا عقلانيا، ولكنه ليس صادرا عن تسلسل منطقي.

ما يجب أن نفهمه جيدا هو أن هذه الرؤى المختلفة لمجال الذكاء الاصطناعي لا تؤثر بشكل كبير على الطريقة التي يسير بها البحث العلمي في هذا المجال. فليس للعلماء نظرة واضحة ودقيقة لأهداف الذكاء الاصطناعي، إلا أن الأسئلة التي يثيرها تستحق البحث والاهتمام.

Informer_Theme_Technologie

تاريخ الذكاء الاصطناعي

نقدم فيما يلي بعض المراحل المهمة من تاريخ الذكاء الاصطناعي.

  • تشكل نواة الذكاء الاصطناعي (1943، 1955): عرفت هذه الفترة ظهور أولى بوادر العمل في هذا المجال. يمكننا أن نذكر في هذا الإطار أعمال ماكيلوش وبيتس الذين طورا نموذجا للخلايا العصبية الاصطناعية في سنة 1943. سنوات بعد ذلك، اقترح هيب قاعدة لتغيير الوصلات بين الخلايا، وشكل مينسكي وإيدموند أول شبكة للخلايا العصبية. وخلال نفس الفترة نشر تورينغ مقاله الشهير الذي يقدم ‘اختبار تورينغ”.
  • ولادة الذكاء الاصطناعي (1956): خلال هذه السنة، اجتمع العديد من علماء الحاسوب في مؤتمر حول دراسة الذكاء. وبعد شهرين من اللقاءات والمحاضرات، انتهى المؤتمر بوضع أسس الذكاء الاصطناعي (وقد تم اختيار هذا الاسم أيضا خلال هذا المؤتمر).
  • تزايد الآمال في الذكاء الاصطناعي (1952، 1969): عرفت هذه الفترة نشاطا كبيرا في المجال النامي للذكاء الاصطناعي، حيث تم تطوير عدد كبير من البرامج لحل مشاكل مختلفة. فظهر مثلا برنامج “مُنَظِّر المنطق” (Logic Theorist) لنيويل وسيمون وبرنامج «مبرهن النظرية الهندسية” (Geometry Theorem Prover) لجيليرتنر الذان استطاعا البرهنة على بعض النظريات الرياضياتية المعروفة بطرق أكثر أناقة في بعض الأحيان. كما كان برنامج “حالّ المشاكل العامة” (General Problem Solver) لنيويل وسيمون قادرا على حل ألغاز بسيطة بمنطق يقارب المنطق البشري. وفي نفس الفترة، صنع صامويل برنامجا للعب لعبة الداما، كما عمل بعض الطلبة من مينسكي (Minsky) على مشاكل “مجهرية” (Microworld) مثل مشاكل “التشابه” ، مما ساهم في ظهور برنامج “تشابه” (ANALOGY) وبرنامج اللعب بالمكعبات (BlockWorld) مع الرفع من درجة التعقيد شيئا فشيئا للوصول إلى “وكلاء أذكياء”. كما عرفت هذه الفترة أيضا ميلاد “شاكي”، أول جسمال قادر على تحليل أفعاله.
  • الإحباطات الأولى (1966، 1973): بدأ العلماء يلاحظون خلال هذه السنوات أن توقعاتهم بشأن قوة الذكاء الاصطناعي كانت متفائلة أكثر من اللازم. و ظهر ذلك جليا مثلا في ميدان الترجمة الآلية. فقد توقع باحثوا الذكاء الاصطناعي أنهم بحاجة لخمس سنوات فقط لإنتاج مترجم آلي. إلا أنهم أدركوا سريعا أن الطرق المبنية على تحليل نحوي غير مجدية، فمن الضروري فهم النص حتى يتم ترجمته على نحو صحيح.و قد أدى هذا الفشل إلى إلغاء تمويل جميع مشاريع الترجمة الآلية من طرف الحكومة الأمريكية سنة 1966.
    و عندما حاول العلماء تطبيق خوارزمياتهم على المشاكل الكبيرة وقفت في وجههم عقبات و إحباطات جديدة، حيث اكتشفوا أنها لا تهمل بسبب النقص في ذاكرة الحواسيب و قوتهم الحسابية. و في سنة 1973، انتقد تقرير لايتهيل (Lighthill) الذكاء الاصطناعي بشدة خصوصا من خلال هذا النقص في القوة الحسابية، مما أدى إلى إيقاف تمويل الغالبية الكبرى من مشاريع الذكاء الاصطناعي في المملكة المتحدة.
    و حيث أن المشاكل لا تأتي فرادى، فقد برهن مينسكي و بابرت على عجز شبكات الخلايا العصبية الاصطناعية عن حساب بعض الدوال البسيطة (مثل دالة التفريق بين رقمين مكتوبين في النظام الثنائي) مما أدى الى فقدان الثقة في البحث في التعلم الآلي، خالقا أزمة في هذا الجزء من الذكاء الاصطناعي.
  • الأنظمة الخبيرة (1969، 1979): تم صنع أول نظام خبير في 1969، و قد تم تسميته “دوندرال”  و كان هدفه إيجاد هيكل جزيئة انطلاقا من صيغتها و نتائج مطياف الكتلة (Mass spectrometer). مثل جميع الأنظمة الخبيرة، يعتمد “دوندرال” على مجموعة كبيرة من القواعد الاستدلالية المصممة من طرف خبراء بشريين.
    بعد النجاح الذي عرفه دوندرال، تم صنع أنظمة خبيرة أخرى مثل نظام “ميسين” (MYCIN) المتخصص في التشخيص الطبي لالتهابات مجاري الدم. باعتماده على 450 قاعدة، كان ميسين قادرا على التشخيص بدقة قريبة من الخبراء البشريين، و أحسن بكثير من الأطباء المبتدئين.
  • الآلات الذكية تدخل المجال الصناعي (1980 إلى الآن): في الثمانينات، بدأت شركة “ديك” (DEC) باستعمال نظام خبير للمساعدة على تصميم الأنظمة المعلوماتية، مما ساهم في اقتصاد ملايين الدولارات  كل سنة. شجع ذلك العديد من الشركات على الاهتمام بالذكاء الاصطناعي و تكوين فرق بحث خاصة بهم. ثم بدأت الولايات المتحدة و اليابان بتمويل مشاريع كبرى في الذكاء الاصطناعي، و قامت المملكة المتحدة بإعادة إطلاق برامجها التمويلية المتوقفة.
  • عودة الشبكات العصبونية (1986 إلى الآن): في أواسط الثمانينات، اكتشفت أربعة فرق للبحث، بشكل منفصل، قاعدة التعلم المسماة “الانتشار الخلفي” (Back propagation). تتيح هذه الطريقة إمكانية تصميم شبكات عصبونية قادرة على تعلم دوال جد معقدة. حوّل هذا الاكتشاف التعلم الآلي إلى أحد أكثر فروع الذكاء الاصطناعي نشاطا. كما تم تطبيقه بنجاح في العديد من المشاكل العملية (مثل البحث في البيانات).
  • الذكاء الاصطناعي الجديد (منذ 1987): مع مرور الوقت، أصبح الذكاء الاصطناعي مادة علمية ذات منهجية صارمة و محددة. فغالبية المناهج التي يتم دراستها اليوم تعتمد على نظريات رياضياتية أو أبحاث تجريبية عوض الاعتماد على الحدس. كما يتم تطبيق نتائجها غالبا على مشاكل متعلقة بالواقع.

brain_circuit_board

مجالات الذكاء الاصطناعي

قسم العلماء الذكاء الاصطناعي إلى مجموعة من الأقسام، يختص كل واحد بدراسة جزء من المشاكل التي تواجه تصميم الأنظمة الذكية.

  • تمثيل المعلومات و أتمتة البراهين: يهتم هذا الجزء من الذكاء الاصطناعي بطرق تمثيل و عرض مختلف المعلومات (التي قد تكون ناقصة، غير مؤكدة أو غير متناسقة) إضافة إلى تصميم طرق و قواعد البرهنة.
  • حل المشاكل العامة: الهدف من هذا المجال هو خلق خوارزميات عامة قادرة على حل مشاكل محددة.
  • تحليل اللغة الطبيعية: يهدف هذا الجزء إلى فهم اللغة و ترجمتها و التعامل بها (نطقا و كتابة).
  • الرؤية الاصطناعية: يركز هذا الميدان على منح الحواسيب القدرة على فهم و تحليل الصور و مقاطع الفيديو للتعرف على الأشياء مثلا.
  • الجسملة: يهتم هذا المجال بصنع أنظمة ذكية مادية قادرة على التفاعل مع العالم المحيط بها.
  • التعلم الآلي: يقوم علماء هذا المجال بتصميم خوارزميات قادرة على التحول ذاتيا حسب التجارب التي تمر بها.

المصدر:درس عن الذكاء الاصطناعي مستوحى من الكتاب : Artificial Intelligence : A modern Approach, Stuart Russel and Peter Norvig