image_pdfimage_print

يعتبر تاريخ العلوم في العالم الإسلامي زاخرا بصفحات بصمها أعلام ساهموا في تطوير مختلف الفروع العلمية. وإيمانا منا في المجتمع العلمي المغربي بأدوار هؤلاء في بناء نهضة الأمة الإسلامية، في زمن كان الغرب يعرف فيه مستويات متدنية من الانحطاط، فإننا سنحاول أن نسلط الضوء خلال هذه السلسلة على حياة بعض من هؤلاء الأعلام، مركزين في ذلك على الأطباء المسلمين، بغض النظر عن التسلسل الزمني للعصور التي عاشوا فيها.

إعداد: علي توعدي.

المولد و النشأة:

            هو أبو علي الحسين بن عبد الله بن الحسن بن سينا. اختلفت المصادر حول مولده، لكن المرجح أن ذلك كان سنة 370 للهجرة، كما ذكرت الموسوعة البريطانية أن ميلاده كان سنة 979 ميلادية، بقرية “أفشنة” قرب بلدة “بخارى”. و قد برز نبوغه منذ صغره، حيث أتم حفظ القرآن الكريم وألم بمختلف الميادين الأدبية وهو لم يتم بعد السنة العاشرة من عمره، إضافة إلى دراسته الفلسفة التي تميز فيها. وقد حرص أبوه على تعليمه، الشيء الذي جعل منه عالما موسوعيا.

انتقل ابن سينا سنة 1002م إلى خوارزم، وعاش في عاصمتها “قورقانبج” في قصر شاه خوارزم، ليستقر بعد ذلك بأصفهان وهمذان بإيران منذ سنة 1012م.

مسيرة حافلة بالإنجازات:

         بالإضافة إلى اهتمامه بالطب، فقد برع ابن سينا في الصيدلة والكيمياء وعلم الطبيعة. وتعتبر إسهاماته في ميدان الطب ذات أهمية كبرى، فهو يُعد أول من أشار إلى دودة “الإنكلستوما” والمرض الذي تسببه، والذي أسماه “الرهقان”. أما تلك الدودة فقد أطلق عليها اسم “الدودة المستديرة”. كما يرجع الفضل إلى الطبيب ابن سينا في وصف مرض “الفيل” (الفيلاريا) وكيفية انتشاره في الجسم، إضافة إلى وصف مرض “النار الفارسية” (الجمرة الخبيثة). ومما تجدر الإشارة إليه أنه كان سباقا إلى اكتشاف مرض التهاب السحايا و التعريف به.

         وتتجلى عبقرية طبيبنا ونبوغه في كونه أصبح طبيبا بارزا في عصره وهو ابن السنة السادسة عشرة، ولقب بـ “الشيخ” و”الرئيس” وهو لا يزال في مقتبل العمر. كل هذا جعله ينال نصيبا وافرا من الشهرة في الشرق والغرب، لم يحظ بها من عاصروه.

         أما عن مؤلفاته فهي غزيرة ومتنوعة تنوع المجالات التي نبغ فيها. ويعتبر كتابه “القانون في الطب” أشهرها، حيث يقع في خمسة أجزاء، وترجم إلى لغات عدة.

         إن العبقرية التي اتسم بها ابن سينا، في الطب على وجه الخصوص، جعلت علماء الغرب يقفون مندهشين أمام الإنجازات التي حققها هذا العَلَم الفريد. ولهذا نجد “مونتجمري وات” (William Montogmery Watt)، وهو مستشرق بريطاني، يقول عنه: “لم يكن غريبا أن نجد رجالا عظيمي الكفاءة في أكثر من ميدان واحد، فابن سينا، الذي ربما كان أعظم فلاسفة المسلمين، كان أيضا طبيبا عظيما…”. ويقول عنه “ويليام أوسلر” (William Osler)، الطبيب الكندي المرموق: “لقد عاش كتاب “القانون” مدة أطول من أي كتاب آخر باعتباره مرجعا أوحد في الطب، ولقد وصلت عدد طبعاته إلى 15 طبعة في الثلاثين سنة الأخيرة من القرن الخامس عشر… إن ابن سينا مكن علماء الغرب من الشروع في الثورة العلمية في مجال الطب، والتي بدأت فعلا في القرن الثالث عشر، و بلغت مرحلتها الأساسية في القرن السابع عشر”.

         أمام هذا الزخم من الإنجازات المتعددة لابن سينا، رغم ذكرنا بعضا منها فقط، لا يسعنا إلا أن نشعر بالفخر و الاعتزاز بالتفوق الطبي الذي حققه المسلمون إبان عصور الركود العلمي لدى الغرب. وهذا يحفزنا أكثر للنبش في مسيرة أسلافنا، مستنبطين مقومات النهضة التي نرتجيها. لهذا نضرب لكم موعدا قادما مع طبيب مسلم آخر.

المراجع:

1ـ الخطيب الشيخ محمد رضا الحكيمي الحائري، “ابن سينا عبقري يتيم وتاريخ حافل”، بيروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، 1991، الطبعة الأولى.

2ـ السرجاني راغب، “قصة العلوم الطبية في الحضارة الإسلامية”، القاهرة، مؤسسة اقرأ للنشر والتوزيع و الترجمة، 2008، الطبعة الأولى.

3ـ الشرقاوي حسن، “المسلمون علماء وحكماء”، القاهرة، مؤسسة مختار للنشر و التوزيع، 1987، الطبعة الأولى.

4ـ سبانو أحمد غسان، “ابن سينا في دوائر المعارف العربية والعالمية”، دمشق، دار قتيبة، 2000.

مصدر الصورة:

http://www.alfetra.ma/wp-content/uploads/2013/11/avicenne_f.png


الكاتب: علي توعدي