image_pdfimage_print

بدأ الباحثون والشركات في السنوات الأخيرة، يخوضون في عالم جديد يتنبأ بالمظاهر والصفات البشرية. إنه مجال غامض يهم صفات تتجذر في كتب المعلومات الوراثية. فهم ينبشون على هذه الجذور عبر مقارنة صفات أشخاص معينين بعلامات دقيقة في أحماضهم النووية. وإن تمكنوا من استعمال الحمض النووي للتنبؤ بعرض الأنف مثلا أو حجم العين، فسيساعدون الأجهزة الأمنية في العثور على المجرمين بطرقة أسهل وأوفر للوقت. 

Imagen1

أشخاص خضعوا لتجربة تحديد الملامح اطلاقا من الحمض النووي. الصور من إنتاج شركة بارابون باستعمال نظام “سنابشوت” Parabon Nanolabs

يقول مؤيدو هذه التقنية أنه ليس بمقدور التكنولوجيا الإيقاع بالمجرمين فحسب، بل بإمكانها أيضا أن تقدم صور الأشخاص الذين عاشوا في الأزمنة القديمة، أو أن تعطي نبذة عن المظهر الخارجي للإبن الذي لم يولد بعد.

في الحقيقة، لا يزال علم الكشف عن صفات الأشخاص عبر الحمض النووي حديث النشأة، حيث أن صفات الوجه فقط قد تتحكم فيها مئات أو آلاف المورثات، وكل مورثة تعبر عن صفة دقيقة جدا. وقد شرع العلماء في التخطيط لكل هذه الأمور. قد يكون الشعر والعينان ولون الجلد والفصيلة العرقية سهل التحديد نوعا ما، لكن التجذرات الوراثية لبعض الصفات كالطول وشكل الوجه لا تزال لغزا محيرا، مما يجعل التنبؤات الحالية بعيدة عن زمنها الجوهري، فبعض المحاولات لم تعتمد على أكثر من عرق الشخص وجنسه لترسم صورة له، أي أن دقتها لا تتجاوز مخيلة إنسان عاقل.

يوجد لدى كل إنسان حوالي ثلاثة ملايير زوج من النيكليوتيدات في جينومه تقوم بالإخبار عن كل شيء، من جنس الشخص إلى لون جلده. ومعظم التسلسلات في الحمض النووي لا تتغير كثيرا من شخص لآخر، لكن بإمكان العلماء تحديد تغيرات دقيقة في النص الوراثي تعرف ب “تعدد أشكال النيكليوتيدات المفردة”، واستعمالها للتنبؤ ببعض الصفات الجسدية. فمثلا، لتحديد لون العيون، تكفي ستة من هذه النيكليوتيدات مأخوذة من ستة مورثات، بينما نحتاج إلى 22 نيكليوتيد للتعرف على لون الشعر.

يقول أحد الخبراء في هذا المجال أن التنبؤ بصفات الإنسان بواسطة الحمض النووي يخضع لعاملين أساسيين: قوة تأثير المورثات المتدخلة في تحديد الصفة (التي تخضع هي الأخرى إلى عامل البيئة) وعدد هذه المورثات. وهكذا فليس من السهل تحديد صفات شخص ما، فبعضها قد تكون سهلة نوعا ما، وبعضها الآخر قد يشبه المستحيل، كالطول مثلا، فعدد المورثات التي تتحكم  في طول الإنسان قد تحصى بالآلاف. وفي هذا السياق، قام فريق من الباحثين بتشكيل قاعدة بيانات اعتمدت على 79 دراسة فحصت جينوم 250 ألف شخص، ومكنت من تحديد حوالي 10.000 نيكليوتيد معني في صفة الطول! رغم ذلك، فإن أحد رواد البحث يقول أنه في غضون خمسة إلى عشرة أعوام سيستطيع العلماء تحديد ما إذا كان الشخص أطول أو أقصر من المعدل عبر الزيادة في عدد الأشخاص المسجلين في قاعدة البيانات.

تعتمد الأجهزة التي تكشف عن صفات الأشخاص على قاعدة بيانات مكونة من عدد هائل من الأشخاص الذين تعرف صفاتهم وميزاتهم، ويقوم النظام بربط هذه الصفات بتحليلات الحمض النووي التي أجريت على كل شخص. وتتوفر الأجهزة كذلك على أنظمة إحصائية تربط بين نص وراثي معين وبين صفة ما، لهذا فإن التنبؤات تعطى على صيغة احتمال لأنها مبنية في أساسها على نظام إحصائي.

المصادر: Parabon Nanolabs, Sciencenews

 


الكاتب: شاكر المحراوي