image_pdfimage_print

terminator-129582k-1

 

عندما قام الأستاذ “كيفين فارفيك” (Kevin Warwick) وفريقه من قسم علم السبرانية بجامعة “ريدينغ” (Reading University) في بريطانيا بإطلاق مشروع “السايبورغ” (Cyborg)، كانت غايتهم الأولى هي الإجابة عن هذا السؤال: ما الذي سيحدث إذا حاول إنسان الاندماج مع حاسوبه؟… يهدف مشروع “السايبورغ” إلى زرع أجهزة إلكترونية داخل جسم الإنسان، بإمكانها التفاعل مباشرة مع الدماغ والجهاز العصبي.

في عام 1998، خلال المرحلة الأولى من المشروع، زرع الأستاذ “فارفيك” رقاقة اتصال RFID عبر عملية جراحية. وقد تم وضع رقاقة السليسيوم على الذراع الأيسر لـ “فارفيك”، تحت الجلد مباشرة وفوق العضلات. وقد تم تغليف الدارة الإلكترونية داخل أنبوب زجاجي، لأن هذه المادة الخاملة تبعد خطر التسمم، ولا تعيق إشارات التواصل اللاسلكي بتقنية RFID.

وقد تم وضع مصدر الطاقة في جانب من الأنبوب (وشيعة من النحاس يتم تشغيلها عبر موجات راديو لتصدر الطاقة الكهربائية)، كما تم تثبيت ثلاث رقاقات إلكترونية صغيرة في الجانب الآخر، تعنى بإرسال واستقبال إشارات RFID.

دامت هذه التجربة تسعة أيام، قام خلالها “فارفيك” “بالتواصل” عبر الراديو من شبكة من المجسات المنتشرة في قسم السبرانية من الجامعة. كما تقوم هذه المجسات بتحويل الإشارات إلى الحاسوب الذي تمت برمجته للتفاعل معها. فعند دخول “فارفيك” إلى المختبر مثلا، يصدر الحاسوب صوت ترحيب، كما يقوم بفتح أو إغلاق الأبواب عند اقتراب الأستاذ منها، ويتحكم أيضا في الإضاءة. كان الهدف الرئيسي من هذه التجربة هو دراسة تبادل المعلومات بين رقاقة مزروعة في جسم الإنسان والعالم الخارجي. وقد فتح نجاح التجربة الباب للعديد من الأفكار لدمج مبادئ السبرانية في الحياة اليومية للبشر.

خلال سنة 2002، أطلق “فارفيك” الجزء الثاني من مشروع “السايبورغ” بزرع جهاز اتصال آخر إضافة إلى مستشعر متصل بجهازه العصبي، وقادر على بعث واستقبال الإشارات الكهربائية. وقد كان هذا المستشعر عبارة عن رقاقة إلكترونية مربعة بطول 4 مليمترات ومزودة بمائة إلكترود. وقد تم إدخالها مباشرة في العصب المتوسط لذراعه الأيسر. كما قام الباحث بتزويد الرقاقة بمقبس لتوصيلها بحاسوب أو بشبكة اتصال لاسلكية.

وقد استطاع “فارفيك” التحكم بيد اصطناعية عبر بعث إشارات كهربائية من جهازه العصبي عبر الرقاقة، ثم الاتصال اللاسلكي، لتصل إلى النظام المتحكم في اليد. لتحقيق ذلك، تمت برمجة نظام محكم لترجمة إشارات كهربائية محددة صادرة عن الجهاز العصبي لـ “فارفيك” إلى أوامر يتم بعثها إلى النظام الإلكتروني.

index.2

وفي الاتجاه المعاكس، استطاع “فارفيك” أن يدرب دماغه على التعرف على إشارات معينة يتم بعثها إليه عبر الرقاقة، مما يعني أنه أصبح “يحس” باستعمال حساسات خارجية. وقد أثارت تجارب “فارفيك” زوبعة من الأسئلة في صفوف العلماء. فكيف يمكن للدماغ أن يتكيف مع هذا الصنف الجديد من المعلومات؟ هل سيقبلها محاولا فهمها أم سيوقفها قبل ذلك؟ هل سينجح في التعامل معها؟

 من جهة أخرى، كان من المهم تتبع التأثيرات الممكن حدوثها بسبب زرع رقاقة إلكترونية على اليد، وذلك في محاولة لفهم الأخطار الممكن مواجهتها خلال تجارب سبرنة الإنسان (Cyborgisation).

كان لابد لـ “فارفيك” من أن يتعلم كيف يتحكم بحركات يده المجسملة مع الأخذ بعين الاعتبار المعلومات التي تبعثها هذه الأخيرة لدماغه عبر العصب المتوسط. وقد نجح في إعادة التجربة عبر شبكة الأنترنت، حيث إنه قام بتحريك اليد المتواجدة في مختبره ببريطانيا مباشرة من جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة الأمريكية، كما توصل بالمعلومات التي بعثتها له حساسات اليد الإلكترونية.

وبعد ستة أسابيع من التمرن على التعرف على الإشارات الكهربائية الصادرة عن اليد، استطاع “فارفيك” أن يستعمل نفس الرقاقة الإلكترونية، مع إضافة حساس للموجات فوق الصوتية لتحديد المسافات التي تفصله عن الأشياء، بأعين مغمضة. فقد كان بمقدور دماغ “فارفيك” تحديد التغيرات في تردد الإشارات حسب تغير المسافات.

بإمكان هذا النوع من الزراعات الإلكترونية مساعدة العلماء على تطوير أنواع جديدة من “الحواس”، قد تشكل نقلة نوعية في تحسين حياة الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة.

في المرحلة الثالثة من مشروع “السايبورغ”، طور “فارفيك” نظام اتصال مع زوجته التي وضعت قلادة مرتبطة لاسلكيا بالرقاقة المزروعة في ذراعه. وتتميز هذه القلادة بقدرتها على التغير لونيًّا، حسب الحالة النفسية والعصبية للزوج.

KevinWarwick_Telepathie-300x244

 

كما جرب “فارفيك” إمكانية التواصل المباشر مع زوجته، التي قبلت بزرع رقاقة إلكترونية في جهازها العصبي، مرتبطة لاسلكيا بالرقاقة الموجودة على ذراع الزوج. وبمجرد أن تحرك الزوجة يدها، يتوصل “فارفيك” بإشارة كهربائية على العصب المتوسط.

تهدف هذه التجربة الجديدة إلى دراسة طريقة توصيل الحركات والأفكار وحتى الأحاسيس من إنسان لآخر عبر إشارات يمكن نقلها عبر شبكة الأنترنت.

أسامة الحمزاوي

 

مراجعة: علي توعدي

 

 

المصدر: مقال صادر بعدد ماي من مجلة “كوكب الجسمال” (Planète Robot)


الكاتب: Anouar elhaossasse