image_pdfimage_print

في الجزء السابق تعرفنا على دور العلوم وغاياتها منذ بداية نشأتها إلى يومنا هذا، وكيف نستعين بنماذج من الواقع لدراسته وفهمه جيدا، أي إننا نفهم ظاهرة معينة عن طريق نمذجتها من خلال نماذج معينة من أجل التوصل إلى قناعات حول الطاهرة المدروسة. إن ترجمة الملاحظات والاستنتاجات ومعطيات نوعية من الواقع إلى ” لغة علمية خاصة” تسمى الرياضيات، تهدف إلى الاستعانة بأدوات “رياضية ” قوية (خصائص، مبرهنات، تقنيات، استدلالات…) تتمتع بدقة عالية في التعامل مع المعطيات، تسمى النمذجة الرياضية، وبالمقابل يمكن ترجمة النتائج التي توصلنا إليها بطرق رياضية سليمة إلى تفاسير مقبولة في الواقع.

يقول ألبرت أينشتاين : “إن أحد الأسباب التي تعطي الرياضيات قيمةً خاصة فوق كل العلوم الأخرى هو أن قوانينها مطلقة الصحة ولا تقبل الجدل، في حين أن قوانين العلوم الأخرى تقبل الجدل إلى حدّ ما ومعرضة للتفنيذ بشكل مستمر بواسطة حقائق جديدة.”

فالعلوم بصفة عامة تدرس نماذج من الواقع، وهنا تتدخل الرياضيات  بقدرتها على تمثيل أي وضعية في الواقع، وبالتالي الاستفادة من ثمار العلوم الرياضية من أجل إثبات صحة نظريات تجريبية، أو صياغة قوانين مضبوطة، أوالتحقق من فرضيات معينة… بمعنى آخر فالرياضيات هي العلم الذي يمكننا من تحويل أو ترجمة حقيقة فزيائية معينة إلى نموذج مجرد قابل للدراسة والتحليل والتمحيص عبرحسابات دقيقة.

اذا قبلنا هذه الصورة عن الرياضيات، فإنها بذلك تمثل تقاطعا بين جميع العلوم والمجالات العلمية : الإعلاميات، الحساب المعلوماتي، العلوم الفزيائية، العلوم الطبيعية، الكمياء، الطب، الميكانيكا، البيولوجيا، الجيولوجيا، الهندسة المعمارية، الصيد البحري، علوم الاقتصاد، علوم المهندس، الصناعة، الملاحة الجوية، علم الطاقة، واللائحة طويلة جدا.

بدون الرياضيات سيكون من المستحيل إثبات أو دحض أي نظرية علمية، وبالتالي سيستحيل إحراز أي تقدم في مجال العلوم. حيث أغلب الدفعات والانجازات والبحوث والنظريات كان يعود الفضل فيها وبشكل كبير إلى الرياضيات …

إن العلوم تعتمد على الرياضيات بكل مستوياتها البسيطة والمتقدمة، من أجل حساب أصغر المقادير الكميائية في محلول معين أو حساب السرعة والقوة والتوقيت والمسار وغيرها من المعطيات… اللازمة كي يلحق مسبار روزيتا بالمذنب 67P.

لم يكن بإمكاننا توقع مسارات الكواكب واستكشاف الفضاء بدون الرياضيات، ولما استطعنا التنبؤ بتواريخ بعض الأحداث بدقة، ولا سارت سيارات ولا طارت طائرات ولا أبحرت باخرات. ولا كان بإمكاننا تشييد ناطحات سحاب، ولما تواصلنا عبر العالم في ثواني، بواسطة هواتف ذكية أو حواسيب، ولما كانت دبابات أو صواريخ…

فقط نظر من حولك : هندسة زجاجة قنينة الماء، سماعات الأذن، الحاسوب والهاتف في يدك، برامج التلفاز، المسمار الذي علقت عليه احدى اللوحات أو الصور، المائدة التي وضعت عليها حاجاتك، الورقة التي داخل دفترك، والقلم الذي تكتب به، والقماش الذي تلبسه… حتى أبسط الأشياء كاللعبة التي تلعبها على الجهاز الالكتروني لما كانت ممكتة بتاتا لولا الملايين من الحسابات المعقدة التي تنجز في الجزء من الثانية عبر جهازك.

أينما نظرت تجد فضل الرياضيات على العلوم خاصة والحياة اليومية عامة، ان الرياضيات من حولنا تتطور باستمرار لصالح العلوم ولصالح البشرية. أنتم أيضا يمكنكم البحث عن فضل الرياضيات وتجسدها في الأشياء من حولنا، أستمتعوا !

نترككم مع الفيديو الذي يقدم تمثيلا جميلا لكيف يمكن ترجمة أي شيء من حولنا الى للغة رياضية :

 

المصادر :

 


الكاتب: طارق بوزيد
المدقق اللغوي: محمد الحداد