image_pdfimage_print

الأنسولين متوفر في الأسواق، وصار عدة أنواع بحسب حاجة المريض، نعم. لكن هل يدعو هذا إلى توقف البحث؟ ألا يمكن أن تأتي اكتشافات تحدث قفزات في موضوع يعتبره الناس مفروغا منه؟ لنتابع باقي الحلقات.

insulin -2

نشر الباحث سانجر سنة 1988 ورقة بحثية بعنوان: تسلسلات، تسلسلات، وتسلسلات “sequences, sequences and sequences ” ليحكي فيها كيف كان الكشف عن بنية الأنسولين. بدأ كل شيء بعد حصوله على شهادة الدكتوراه عن استقلاب الحمض الأميني لايسين، لينتقل للعمل مع فريق آخر بجامعة كامبريدج، برئاسة تشينبال، المنتقل إليها حديثا. كان الفريق عاكفا على دراسة الأحماض الأمينية المكونة للبروتينات، وقد اختاروا الأنسولين لأهميته التجارية، أولا، ثم لأنه من البروتينات القليلة التي كان يمكن الحصول عليها بدرجة عالية من النقاء، لكنهم لم يختاروه أبدا لصغر حجمه، رغم المساعدة الجسيمة التي قدمتها هذه الخاصية أثناء العمل، فلم يكن معلوما بعد.

تتلخص التقنية في استعمال مواد كيميائية للتعرف على آخر حمض أميني في السلسلة، وتلوينه، ثم عزله من الخليط، وهكذا إلى أن يتعرف على تسلسلها.. أدت محاولة التعرف على أول حمض في النهاية N للسلسلة إلى الحصول على حمضين هما الفينيل ألانين، والغلايسين، أدت هذه الملاحظة إلى افتراض تشكل الأنسولين من عدة سلاسل وليس واحدة فقط…طفح إلى السطح، مباشرة، إشكال جديد، إذ كان لا بد من فصل السلسلتين، أو السلاسل، المكونة للأنسولين، وإلا فإن الطريقة المتبعة لن تفيد في شيء.

حظي سانجر، في هذه الأثناء بفرصة للعمل في مخبر الباحث تيسيليوس، بالسويد حيث عمل على فصل ارتباط، ثم عزل السلاسل المكونة للأنسولين.. أدت الأبحاث الأولى إلى الاعتقاد بأن الأنسولين مكون من 4 سلاسل. نتج عن النتائج ورقة بحثية، قال سانجر إنها من أقل مقالاته انتشارا، وأكثرها دعوة للخجل، إذ أن سلاسل الأنسولين ثنتان فقط، وربما كان الخطأ نتيجة لسوء قراءة للنتائج قامت به التقنية المساعدة.

تواصلت البحوث بتفاصيل وإشكالات لا مجال للتطرق إليها كل واحدة على حدة، لكن أهم شيئين هما أن الطريقة المستعملة،التي تعتمد على مادة DNP، لم تكن فعالة للتعرف على عديدات الببتيد (قطع مكونة من أحماض أمينية لكنها غير وظيفية لتسمى بروتينات) الطويلة. كان لزاما عليهم تقطيع الأنسولين إلى قطع صغيرة، ثم التعرف على أحماضها الأمينية. أما الشيء الثاني فهو تطوير طريقة الكروماتوغرافي على الورق، التي ساعدتهم على التعامل مع هذه القطع والتعرف على مكوناتها.

اشتغل على بنية الأنسولين زهاء سنة 1955، ثم سلمت له جائزة نوبل للكيمياء لجهوده حول بنية البروتينات وبالتحديد الأنسولين سنة 1958.

المصادر: 1 2

<<السابق                            سلسلة: “في أثر الأنسولين”                          التالي>>


الكاتب: يوسف الأمين
المدقق اللغوي: رشيد لعناني