image_pdfimage_print

 التطور البيولوجي، هو التغير في السمات الوراثية الخاصة بأفراد الكائنات الحية مع مرور الزمن وعبر الأجيال، مما ينتج عنه اختلاف شكلي وفزيولوجي عن الأسلاف. هذه السيرورة التطورية تُحدث تنوعاً  في كل المستويات التصنيفية، بما فيها الأنواع، وأفراد الكائنات الحية. وتعتمد هذه العملية على حاجة الكائنات الحية للمنافسة على الموارد، التي هي ضرورية بشكل فردي من أجل البقاء والتكاثر. فالتطور عملية مستمرة منذ ملايين السنين وليس حدثا منتهيا.

Darwin

 ومن بين آليات التطور التي صاغها تشارلز داروين في كتابه “أصل الأنواع”، نذكر آلية الانتقاء الطبيعي. هذه الآلية هي المحرك الرئيس للتطور، وهي العملية التي يتم بموجبها اختيار الكائنات الأصلح لبيئتها، والتي يمكنها العيش و إعطاء ذرية قادرة على البقاء في تلك البيئة عن طريق التكيف، أي التعديل أو التغيير في السلوك، ووظائف الأعضاء، حتى تصبح أكثر تلاؤما مع بيئة العيش، وبالتالي فهذه التغيرات تورث للجيل القادم.

 اعتمد داروين للاستدلال على صحة نظريته على ملاحظاته لعالم الحيوانات، والتي أظهرت وجود اختلافات بين أفراد النوع نفسه (التغاير) وبين الأنواع الأخرى، فالتغيرات الملائمة أو الإيجابية هي التي تزيد من فرص التوالد وبقاء الكائن الحي على قيد الحياة، ويحتفظ بهذه التغيرات المفيدة وتطويرها ونقلها من جيل إلى جيل على حساب تلك الأقل فائدة، والنتيجة هي الحصول على كائن حي متكيف بشكل جيد مع محيطه.

 لقد ظهر مفهوم التطور لأول مرة في الكتابات اليونانية القديمة، ونجده على سبيل المثال في أعمال أناكسيماندر ‘”Anaximander” و إمبيدوكليس “Empedocles”، حيث يرى أناكسيماندر أن الحيوانات تتحول من نوع لآخر، وتكهن إمبيدوكليس أنها تكونت انطلاقا من مجموعة  أجزاء سابقة الوجود.

 في منتصف القرن السادس عشر، أدى تطور الملاحظة العلمية والتجريب في مجال العلوم إلى ظهور بعض النظريات التطورية، ومن بينها ما اقترحه بيير لويس “Pierre-Louis Moreau de Maupertuis” حول عفوية انقراض الكائنات الحية، والتي تعد جزءا من نظريته حول الأصول، و مع ذلك لم يقدم أي نظرية تطورية.

وقد عرض الفيزيائي الإنجليزي إراسموس داروين، جد تشارلز داروين، بعض التخمينات التطورية في كتابه ‘Zoonomia’، ولكن لم يكن لديها تأثير على النظريات اللاحقة. و مع بداية القرن التاسع عشر، قدم عالم الطبيعة الفرنسي جان باتيست لامارك، نظرية التطور بوضوح، هذه النظرية التي عُرفت فيما بعد باسم وراثة الخصائص المكتسبة، لكنها دُحضت تماما في القرن العشرين، على الرغم من أنها أسهمت في القَبول التدريجي لنظرية التطور البيولوجي، و حفزت الدراسات حول الموضوع.

يعتبر عالم الطبيعة الإنجليزي تشارلز داروين مؤسس النظرية الحديثة للتطور. وقد بيعت جميع نسخ أول طبعة من كتابه الشهير “أصل الأنواع” في 1959 في اليوم الأول من إصدارها. وصاغ ألفريد والاس ـ و هو أحد علماء الطبيعة في عهد داروين ـ فكرة الانتقاء الطبيعي، و مع ذلك فقد اختلف مع داروين في مسألة أن الانتقاء الطبيعي لم يكن كافيا لتفسير أصل الإنسان، ولكنه يتطلب تدخلا إلاهيا.

بعد تطور العلوم ـ و خاصة علم الوراثة ـ  قدمت الوراثة المندلية الحلقة المفقودة في حجة داروين. وقد نشر غريغور ماندل ـ الراهب الذي نفذ سلسلة طويلة من التجارب على البازلاء في حديقة ديره ـ ورقة بحثية في عام 1866، وضعت المبادئ الأساسية لنظرية الوراثة، والتي لا تزال سارية إلى يومنا هذا. وبحلول عام 1950، لقيت نظرية داروين حول التطور عن طريق الانتقاء الطبيعي القبول بين علماء الأحياء على الصعيد الأكاديمي، وأصبحت مقبولة على نطاق واسع في المجتمع العلمي وتدرس في جامعات عالمية، إلا أن النظرية مازالت تواجه معارضة شديدة من طرف فئات إجتماعية عريضة وبعض المحافظين على المستوى الأكاديمي .

المصادر:1 ،  2


الكاتب: نبيل رضوان