image_pdfimage_print

السكر أكبر مصدر للسعرات الحرارية إذا كان على شكل شراب الذرة عالي الفركتوز، واستعماله متجذر إلى حد كبير في كثير من ثقافات العالم، غير أن الآثار الصحية السلبية لهذه المادة غالبا ما يتم التغاضي عنها بشكل كبير وملحوظ من قِبَل الأغلبية المستعملين لها.

يشير الدكتور ريتشارد جونسون في كتابه، “تنظيم السكر” إلى أن نحو 50 % من الأميركيين يستهلكون أكثر من 225 جرام من السكر في اليوم. هذه الإحصائية هي أبعد ما تكون عن الصحة. في حين أنه ليس سراً أن للسكر دورا رئيسيا في الإصابة بالسمنة، وأمراض القلب، وفي الإصابة بالنوع الثاني من مرض السكري. أما الأمر الأكثر صدمة هو اكتشاف أن السكر قد يساهم في الإصابة بالغباء أيضا.

من الأمعاء إلى المخ

استحضر الدكتور ميركولا في مقالته: “تناولك للسكر يجعلك غبياً” عددا من الدراسات التي تشير إلى الآثار الانتكاسية للسكر على المخ. إحدى هذه الدراسات نشرت في دورية “علم الأعصاب”، حيث تناولت موضوع النظام الغذائي الذي يكون مرتفع المحتوى من السكر قد يؤدى لإحداث تغيرات في بكتيريا الأمعاء بالنسبة للفئران والتي بدورها ترتبط بخسارة معنوية فى “مرونة الإدراك”، وهو مقياس لقدرة الدماغ على التكيف مع الأوضاع المتغيرة . بعد أربعة أسابيع من تناول كميات زائدة من السكر، أصبح أداء الفئران ضعيفا على مجموعة متنوعة من الاختبارات ذات الصلة بالوظائف العقلية والجسدية بالمقارنة مع الفئران التي اتبعت نظاماً غذائياً عادياً .

ولكن عند إجراء مزيد من التحليل، اكتشف الباحثون شيئاً أكثر ضررا حدث للفئران، حيث وجدوا خللا في بكتيريا الأمعاء، التي ترتبط مباشرة بالأداء السيء بخصوص اختبارات المرونة الإدراكية.

وقالت كاثي ماجنوسون، وهي أستاذة في كلية الطب البيطري جامعة أوهايو والباحثة الرئيسية في معهد لينوس بولينج: “من الواضح بشكل متزايد أن بكتيريا الأمعاء يمكنها الاتصال بالعقل البشري … ويمكن للبكتيريا أن تحرر المركبات التي تعمل بمثابة ناقلات عصبية، وتحفز الأعصاب الحسية أو الجهاز المناعي، وتؤثر على مجموعة واسعة من الوظائف البيولوجية”. النتائج من الدراسة تؤكد على القائمة المتزايدة من الأدلة التي تبين العيوب المعرفية من استهلاك السكر .

مقاومة الأنسولين والمخ

في عام 2012، بدا فريق من الباحثين في دراسة الآثار المترتبة لشراب الذرة على أدمغة الفئران، وسرعان ما اكتشفت أن الفئران التي غذيت على نظام غذائي عالي المحتوى في شراب الذرة واجهت ضعف الادراك ، وعانت لكي تتذكر طريقها الذي كانت قد اعتادت عليه قبل ستة أسابيع .

وعلاوة على ذلك، أظهرت الفئران التي تتغذى على سكر الفركتوز علامات مقاومة للأنسولين، وهو الهرمون الذي يتحكم في نسبة السكر في الدم ووظيفة التشابك في الدماغ. ولأن الأنسولين قادر على المرور عبر حاجز الدم في الدماغ، يمكن أن يؤدي العمليات العصبية التي تعتبر مهمة للتعلم وللذاكرة. إستهلاك كميات كبيرة من الفركتوز قد يؤدي إلى حجب قدرة الأنسولين على تنظيم ما تخزنه خلايا الدماغ وماتستخدمه من السكر كمصدر الطاقة اللازمة لتغذية الأفكار والأحاسيس.

ماذا يحدث عندما تتغذي الفئران على أوميجا 3 مع السكر؟

في الدراسة نفسها ، أعطيت المجموعة الثانية من الفئران أوميجا 3 الدهنية في شكل زيت بذور الكتان وDHA (docosahexaenoic acid)، بالإضافة إلى نظام غذائي عالي الفركتوز، وبعد ستة أسابيع كانت هذه المجموعة من الفئران قادرة على التنقل في المتاهة بشكل أفضل وأسرع من الفئران في المجموعة التى لم تغذى على أوميجا 3 . وخلص الباحثون إلى أن أوميجا 3 عامل وقائي ضد الآثار الضارة للفركتوز على المخ. للأسف، الجسم لا يمكنه أن ينتج ما يكفي من أوميجا 3 ، لذلك يجب أن يستكمل من خلال النظام الغذائي في المأكولات البحرية أو تكملة مثل زيت الكريل krill oil.

ارتفاع مستويات السكر في الدم له علاقة بفقدان الذاكرة

ويؤكد ميركولا أيضا أنه حتى لو لم يكن الجسم مصابا بمرض السكري من النوع الثانى أو ما قبل السكري توحي مقاومة الأنسولين، وارتفاع مستويات السكر في الدم بأن يكون لها تأثير سلبي على الإدراك.

توصلت إحدى الدراسات إلى أن أولئك الذين يعانون من ارتفاع مستويات السكر في الدم، حققوا مستويات أقل في اختبارات الذاكرة . لكل زيادة 7 ملليمول/مول في نسبة السكر في الدم، إذ يستطيع أن يتذكر المشاركون كلمتان أو أقل في اختبارات الذاكرة. تميز المصابون بارتفاع مستويات السكر في الدم أيضا بقلة حجم “الحصين hippocampus” وهي المنطقة المرتبطة بالذاكرة في المخ.

كيف ترتبط حساسية الأنسولين بتطور الخرف

استهلاك أي من الحبوب والسكر والنشا يؤدي إلى ارتفاع نسبة السكر في الدم. للمساعدة في تنظيم مستويات السكر في الدم، يفرز البنكرياس الأنسولين في مجرى الدم مما يقلل من مستويات السكر . ومع ذلك، فإن الجانب السلبي للأنسولين هو أنه يحول السكر إلى دهون، وهذا بدوره يمكن أن يؤدي إلى زيادة الوزن مع مرور الوقت.

إذا أصبحت مستويات السكر في الدم مرتفعة هي القاعدة دوماً، فإن الجسم يتطلب المزيد من الأنسولين من أجل إنجاز هذه المهمة. مما قد يجعل الجسم مقاوما للأنسولين، وهذا يعد مقدمة لمرض السكري من النوع الثاني. إن الإفراط في تناول السكر والحبوب يجعل المخ غارقاً في مستويات عالية على الدوام من الأنسولين ويحجب إشارات الأنسولين، مما يؤدى إلى ضعف القدرة على التفكير والتذكر، وفي النهاية يسبب تلفا دائما في الدماغ، إضافة إلى مشاكل صحية أخرى.

في أوائل عام 2005، أطلق الباحثون على مرض “الزهايمر” اسماً مبدئيا هو “مرض السكري من النوع 3” بعد الاعتراف أن المخ ينتج أيضا الأنسولين بالإضافة إلى البنكرياس، وأنسولين الدماغ هذا ضروري لبقاء خلايا المخ. وقد توصلت الدراسات إلى أن الأشخاص الذين يعانون من انخفاض مستويات الأنسولين ومستقبلاته في الدماغ غالبا ما يصابون بمرض الزهايمر.

طبيب الأعصاب الدكتور “ديفيد بيرلماتر” يصر على أن الحد من استهلاك السكر و الكربوهيدرات غير الخضرية بشكل صارم للغاية، هو أحد أهم الخطوات التي يمكن اتخاذها لمنع مرض الزهايمر لهذا السبب بالذات. ويورد بحثا من مايو كلينك، والذي وجد أن النظام الغذائي الغني في الكربوهيدرات يرتبط بزيادة خطر الإصابة بالخرف بحوالى 89 %.

تدمير القناة الهضمية يدمر المخ

الأمعاء التي تعج بالحياة الميكروبية تتواصل أيضا مع المخ من خلال ما يعرف باسم “محور القناة الهضمية – المخ.” الجهاز العصبي المعوي (ENS)، هو جزء لا يتجزأ في جدار الأمعاء والذي يعمل بشكل مستقل ومتزامن مع المخ. هذا التواصل يعمل في كلا الاتجاهين وهو المسار لكيفية تأثير الأطعمة على المزاج. ومع ذلك فإن محور الأمعاء/الدماغ هو أبعد بكثير من مجرد الطعام المريح ، ويبدو أن محور الأمعاء/ المخ  يكون ثنائي الاتجاه، فالدماغ يعمل على الجهاز الهضمي ووظائف جهاز المناعة التي تساعد على تشكيل ميكروبات الأمعاء، وميكروبات الأمعاء تجعل الأنسجة العصبية المحفزة، بما في ذلك الناقلات العصبية ونواتج الأيض تعمل أيضا على الدماغ. لذلك، فإن تحسين الكائنات الدقيقة بالأمعاء بطبيعة الحال، سوف يحسن من وظيفة الدماغ.

نصائح مفيدة

حفظ مستوى إستهلاك السكر لأقل من 25 جرام في اليوم الواحد هو المعدل الأمثل في خفض فرص الإصابة بالغباء أو العيوب المعرفية الأخرى لمرضى السكر، والمعرضون للإصابة بمرض السكري، والذين يعانون من زيادة الوزن، أو الذين يعانون من ارتفاع الكوليسترول في الدم أو ارتفاع ضغط الدم، لهذا يوصي الدكتور ميركولا ألا تزيد كمية إستهلاك السكر عن 15 جرام يومياً.

تناول الأغذية المخمرة طبيعيا سوف تساعد أيضا على تصحيح الكائنات الدقيقة بالأمعاء، ومن ثم تساعد على تنظيم الجهاز العصبي والصحة العامة.

المصدر: 1

الصورة: Wikipedia


الكاتب: د. هشام خميس
المدقق اللغوي: عبد الجليل التوزاني