image_pdfimage_print

في الثاني عشر من يونيو الماضي، بمدينة ساوباولو البرازيلية، عرف حفل افتتاح كأس العالم حدثا لم يجر انتباه كاميرات الوكالات الصحفية التي ظلت مركزة على الرقص والغناء. فقد كانت أول قدم تركل كرة خلال هذه المسابقة قدم شخص مشلول.

كان هذا الشاب يتحرك بمفرده، معتمدا على هيكل خارجي وقام بركل الكرة لبضعة أمتار معلنا افتتاح أكبر حدث رياضي لهذا العام. وقد تم صنع الهيكل المستعمل من طرف الفريق العامل في مشروع “المشي من جديد” (Walk again) تحت إشراف وتأطير باحث علوم الأعصاب البرازيلي ميجيل نيكوليليس (Miguel Nicolelis). وقد تمت تسمية الهيكل المستعمل BRA-Santos-Dumont، وذلك للإحالة على الأصل البرازيلي للآلة (BRA) وإحياء لذكرى ربان الطائرة البرازيلي الفرنسي Alberto Santos-Dumont.

صورة متحركة:

إضافة للهيكل المجسمل، فقد كان الشاب يحمل على رأسه خوذة للرسم الكهربائي للدماغ، يتم استعمالها للتحكم في الهيكل. وقد قام فريق البحث بتجهيز الخوذة بإلكترودات تقوم بالتقاط الإشارات الكهربائية الناتجة عن نشاط الخلايا العصبية في الدماغ. كما تم تزويد الحذاء بحساسات تبعث إشارة إلى يد الشاب كلما لمست قدماه الأرض وذلك حتى يستطيع الإحساس بخطواته.

تشكل هذه التجربة مثالا رائعا لاستخدام واجهة برمجية بين الدماغ والحاسوب وهو ما يصطلح عليه   BCI: Brain-Computer Interface.

تبقى آلة BRA-Santos-Dumont جد معقدة كما أنها تعاني من الكثير من المشاكل التي تحد من إمكانياتها. فليس بإمكان حساسات الخوذة مثلا الكشف إلا عن بعض الإشارات لتحريك الرجلين. كما كان من الواجب تزويد الهيكل بنظام خارجي ذكي للحفاظ على التوازن. وقد تطلب الأمر عدة أشهر من الشاب الذي كان يلبس الهيكل لتعلم طريقة التعامل معه بشكل سليم (أي بإصدار “الأفكار” المناسبة التي تؤدي إلى تحريك الرجلين).

رغم ذلك تبقى النتائج المحصل عليها بعد سنوات من التجارب على القردة، تبقى جد مشجعة نظرا للتقدم الكبير الذي تم تحقيقه.

كيف يتم فهم إشارات الدماغ؟

تحاول العديد من فرق البحث في العالم أجمع إيجاد أحسن الطرق لالتقاط وفهم إشارات التفكير بهدف التحكم في الآلات. وتسمح الأنظمة “البدائية” الحالية بالكشف فقط على أنماط إشارات معينة للترددات التي يلتقطها جهاز الرسم الكهربائي للدماغ، مما يفرض على المستعمل التمرن على التركيز على أفكار معينة لبعض الوقت حتى تستطيع الآلة تحديد الإشارة التي توافق ذلك. ومن المستحيل حاليا تحليل نتائج رسم كهربائي للدماغ بهدف “قراءة الأفكار”.

رغم الصعوبات، يحقق العلماء تقدما ملحوظا في مجال تحليل الإشارات الدماغية. يمكننا في هذا الصدد استحضار أبحاث المعهد الوطني للبحث في المعلوميات والأتمتة (INRIA) بفرنسا، الذي يستمر فريقه في تطوير برنامج “أوبن فايب” (OpenVibe). ففي اللعبة الإلكترونية مايند شوتر (Mind Shooter) مثلا، يعتمد الخبراء على نوع محدد من الإشارات الدماغية يسمى SSVEP: Steady-State Visual Evocked Potential، ما قد نترجمه بالجهد المستثار بصريا (الجهد هنا بالمعنى الكهربائي). وهي عبارة عن موجات دماغية محددة تصدر بعد تعرض الشخص لمنبهات معينة. لا يحتاج العلماء في هذه الحالة لتحليل أنماط الإشارات الملتقطة ولا للتمرن على إصدارها، لأن الإشارات الدماغية تصدر بشكل تلقائي ومحدد عندما يشاهد الشخص إشارات ضوئية.

في اللعبة الالكترونية “مايند شوتر”، يجب على اللاعب أن يصوب شعاع مركبته الفضائية على اليمين أو الشمال أو الوسط. و إذا قمنا بوضع نقط ضوئية تلمع بترددات معينة على مناطق مختلفة من الشاشة فسيكون بالإمكان تحديد مكان رؤية اللاعب عبر رسم كهربائي للجهد المستثار بالدماغ.

 

ويعرف العلماء تقنيات الجهد المستثار منذ 1980، من خلال نوع معين منها يسمى P300. ويرمز ببساطة إلى أن التقاط ردة فعل الدماغ (ظهور الجهد Potential) يتم بعد 300 جزء من الثانية من صدور التنبيه. ويستعمل مثلا نظام P300 Speller (الناطق) لتحديد ردة فعل دماغ شخص بعد رؤيته لحرف تم اختياره مسبقا، مما يجعل من هذا النظام آلة مهمة تتيح للبكم التعبير عما يريدون.

يعد التعقيد الكبير للإشارات الدماغية ودقة المستشعرات من أكبر المشاكل التي تواجه الباحثين في هذا الميدان. فالإشارة التي تستطيع الإلكترودات الموضوعة على الجمجمة التقاطها تحتوي على نسبة كبيرة من التشويش الصادر عن عشرات الملايين من الخلايا العصبية، مما يجعل فهمها وتحليلها صعبا وشديد التعقيد. ويتم حاليا استعمال ثلاثة أنواع من الواجهات لقراءة إشارات الدماغ:

  • إلكترودات داخل الجمجمة: عندما يتم فتح الجمجمة جراحيا، يستطيع العلماء غرس إلكترودات داخل الدماغ مما يزيد من دقة المستشعرات لتصل إلى بضعة عشرات من الخلايا العصبية.
  • الخوذات المخبرية للرسم الكهربائي للدماغ: يتم استعمال هذه الخوذات لأغراض البحث العلمي والتشخيص الطبي، وتحتوي عادة على عشرات الإلكترودات.
  • خوذات الرسم الكهربائي للدماغ المتاحة للبيع للمستخدم العادي: وتحتوي على عدد قليل من الإلكترودات (إلكترود واحد غالبا). ويلتقط هذا النوع من الخوذات إشارات جد مشوشه، خصوصا بسبب حركات عضلات الوجه والعينين.

تحتاج بعض المشاريع لواجهة جد متطورة ومتكاملة بين الدماغ والآلة، حتى تستطيع الوصول إلى أهدافها، من بين هذه المشاريع نذكر مشروع الطيران الدماغي (Brain Flight) الذي يهدف لقيادة طائرة والتهكم بها عبر موجات الدماغ مباشرة. نستحضر كذلك المشاريع العديدة التي تهدف منح الأشخاص ذوي الإعاقات الجسدية أجهزة لقضاء أغراضهم.

ورغم أن تصميم مثل هذه الواجهات المتطورة يتطلب سنوات من العمل والاكتشاف، إلا أن ما وصل إليه العلماء حاليا يعتبر جد مشجع وحافزا قويا لمتابعة البحث.

أسامة الحمزاوي

تدقيق لغوي: أنوار الهوصاص

المصدر:

1


الكاتب: Anouar elhaossasse