تاريخ اكتشاف عناصر الذرة

تتكون جميع المواد الفيزيائية  من “ذرات”.  معطى لا يختلف عنه شخصان في القرن الواحد و العشرين، إلا أن أفكارنا عن ماهية الذرة حديثة للغاية.  فمنذ ما لا يقل عن مئة عام، كان العلماء مازالوا يناقشون شكل الذرة، و على الرغم من أنهم شرعوا في اقتراح نماذج ذرية منذ بداية القرن التاسع عشر، إلا أن فكرة الذرات قد نشأت مع الإغريق، و تنسب أساسا ل”ديموقريتوس” (400 سنة قبل الميلاد)؛ حيث كان يرى أن فعل تقسيم جزء من مادة فيزيائية عدة مرات ينتهي بالوصول إلى جزء لا يمكن تقسيمه، و هو ما أسماه ب’atomos’ أو الذرة.

لم تلق فكرة “ديموقريتوس” صدى، خاصة و أن “أرسطو” اعتبرها بدون قيمة. و لأزيد من ألفي سنة لم يواصل أحد قط الاكتشافات المتعلقة بطبيعة المادة إلى حين سنة 1808 لما اعتقد العالم “دالتون” أن النظرية الذرية يمكن أن تفسر سبب امتصاص الماء للغازات المختلفة بنسب متفاوتة. إلا أن رحلة اكتشاف مكونات الذرة قد بدأت مع تجربة أنبوب شعاع “الكاثود” للعالم الإنجليزي “جوزيف جون طومسون” سنة 1897:

تجربة أنبوب شعاع “الكاثود”: اكتشاف الالكترونات

أنبوب أشعة “الكاثود” عبارة عن أنبوب زجاجي محكم الغلق، مكون من قطبين،أحدهما موجب يسمى “الكاثود” و الآخر سالب يسمى “الأنود”. و بعد تطبيق توتر عالٍ بين القطبين، تتكون حزمة جزيئية تنطلق من “الكاثود” في اتجاه “الأنود”.

تجربة أنبوب أشعة “الكاثود”

و لتحديد خصائص الجسيمات، قام “طومسون” بوضع صفيحتين على جوانب الشعاع “الكاثودي”، تحمل إحداهما شحنة موجبة و الأخرى شحنة سالبة، فلاحظ أن الشعاع ينحرف في اتجاه الصفيحة الموجبة، واستنتج أن الجسيمات تحمل شحنة سالبة.

كما وضع “طومسون” مغناطيسين على جانبي الأنبوب و لاحظ أن المجال المغناطيسي المنشأ يؤدي بدوره إلى انحراف الشعاع، و مكنته نتائج هذه التجربة من تحديد النسبة:”كتلة جسيمات الشعاع على شحنتها” .فاكتشف أن كتلة هذه الجسيمات أصغر من كتلة أي ذرة معروفة حينها.

كرر “طومسون” التجربة باستخدام معادن مختلفة للأقطاب الكهربائية، وفي كل مرة ظلت خصائص شعاع “الكاثود” على حالها، أيا كان المعدن الذي يشكل “الكاثود”. فاستخلص الآتي:

  • الشعاع “الكاثودي” مكون من جسيمات (إلكترونات) تحمل شحنة سالبة.
  • تتكون الذرة من هذه الجسيمات نظرا لأن كتلتها أصغر بألفي مرة من كتلة الذرة.
  • جميع الذرات تتكون من هذه الجسيمات.
  • بما أن الذرات متعادلة كهربائيا و الإلكترونات مشحونة سالبا، فلا بد من وجود شحنات موجبة داخل الذرة للحفاظ على حيادها الكهربائي.

اقترح “طومسون” نموذجا للذرة تسبح فيه الإلكترونات في مادة تحمل شحنة موجبة.

نموذج طومسون للذرة

تجربة رقاقة الذهب للعالم “رذرفورد”:

سنة 1911، اعتقد العالم النيوزلندي “رذرفورد” أنه سيكون من المثير للاهتمام قصف الذرات بأشعة “ألفا” (⁺He²)، فوضع عينة من “الراديوم” (مصدر لأشعة ألفا) في صندوق من الرصاص به فتحة صغيرة. يمتص الرصاص معظم الإشعاعات، و يمر شعاع دقيق عبر الفتحة باتجاه رقاقة ذهبية.

تجربة رقاقة الذهب

أحاط “رذرفورد” الرقاقة بلوحة معدنية تعطي وميضا عند اصطدام أشعة ألفا بها، و كانت نتائج التجربة كالتالي:

معظم أشعة “ألفا” نفذت مباشرة عبر الرقاقة الذهبية. عدد صغير منها انحرف عن مساره. و عدد أقل من الجزيئات(حوالي 1/2000) ينحرف بأكثر من 90 درجة عن المسار. و كان لهذه النتائج تفسير واحد:

  • بما أن معظم جزيئات “ألفا” نفذت مباشرة عبر الرقاقة الذهبية فإن معظم حجم الذرة فراغ.
  • تحتل الشحنة الموجبة حجما صغيرا من الذرة، لكنها تحتوي على جل كتلتها، و تنحرف أشعة “ألفا” المشحونة موجبا نتيجة لاقترابها من النواة.

و بالتالي، اقترح “رذرفورد” النموذج الذري التالي:

نموذج “رذرفورد” للذرة

حيت تتكون الذرة من نواة تحمل شحنة موجبة، تدور حولها إلكترونات ذات شحنة سالبة.

اكتشاف “النيوترون”:

سنة 1920، افترض “إرنست رذرفورد” وجود جسيمات محايدة في نواة الذرة، وذلك نتيجة تباين بين العدد الذري لعنصر ما (البروتونات = الإلكترونات) وكتلته الذرية التي عادة ما تتجاوز كتلة “البروتونات” الموجودة بالذرة.

سنة 1930 اكتشف “فريديريك” و “إيرين كوري” أنه ينتج عن قصف ذرات “البريليوم” بجسيمات “ألفا”، شعاع ذو قدرة اختراق عالية، لا ينحرف تحت تأثير مجال مغناطيسي، وبالتالي فشحنته محايدة. و عندما وضعا حاجزا من شمع “البارافين” (مادة غنية بـ”البروتونات”) أمام الشعاع، لاحظا صدور “بروتونات” من “البارافين”، تم الكشف عنها بواسطة عداد “جيجر”(*). فاعتقد العالمان أن الشعاع الصادر له طبيعة أشعة “غاما”.

سنة 1932 أنجز العالم “شادويك” سلسلة من التجارب المشابهة لتجربة “فريديريك” و “إيرين كوري”، أوضح من خلالها عدم إمكانية اعتبار الأشعة الصادرة على أنها أشعة “غاما”، بل استطاع البرهنة على أنها جسيمات محايدة كتلتها مشابهة لكتلة “البروتون”.

تجربة “شادويك” لاكتشاف “النيوترون”

(*): عداد “جيجر” هو أداة تستخدم لاكتشاف الإشعاعات “المؤينة”.

إن النظريات و الحقائق العلمية التي نعتبرها بديهية في القرن الواحد و العشرين لم تأت بمحض الصدفة، بل سلكت مسارا طويلا من الأخطاء المصصحة. كذلك هي النظريات المفسرة لطبيعة المادة الفيزيائية التي انطلقت من فكرة وجود أربعة عناصر كونية أساسية و انتهت بالنظرية الذرية، والتي عرفت العديد من التعديلات خاصة مع جيل جديد من علماء نظرية الكم. يظهر لنا جليا أن العلم تراكمي وتاريخ العلم هو تاريخ تصحيح أخطائه كما أشار إلى ذلك “غاستون باشلار”.

 

المصادر:

(1) (2) (3)

(الصورة 1) (الصورة 3)