الحمض النووي البيبتيدي .. نوعية جديدة من العقاقير

مع كل هذا التنوع في صور الحياة على هذا الكوكب، فإنه يوجد نوع واحد من الحياة «كما نعرفها». فجميع الكائنات تعتمد على الأحماض النووية : DNA  و  RNA وعلى البروتينات التي تعمل مجتمعة : ف DNA يقوم بتخزين المعلومات الوراثية التي يتم نسخها إلى RNA، الذي يعمل عندئذ كقالب template لإنتاج البروتين. وبدورها، تعمل البروتينات كعناصر تركيبية مهمة في الأنسجة، كما أنها تُكوّن الإنزيمات، فهي كالآلات الدؤوبة في الخلية.

051

الحمض النووي البيبتيدي  : (PNA) Peptide Nucleic Acid)

تم ابتكار جزيء يسمى ب «الحمض النووي البيبتيدي» (PNA) وهو مركب هجين من البروتين و  DNAيجمع بين صفات تخزين المعلومات الوراثية الخاصة ب  DNA والثبات الكيميائي العائد إلى الهيكل شبه البروتيني. ويتركب هيكل PNA من وحدات بسيطة نسبيا ترتبط مع بعضها بروابط بيبتيدية قوية (محاطة بدائرة صغيرة في الشكل) كما في البروتين، وذلك بخلاف الهيكل الفوسفو – كربوهيدراتي  ل  DNA الأقل ثباتا والمشحون بشحنات سالبة. تحوي كل وحدة من PNA قاعدة آزوتية واحدة، كما في سلسلة DNA.

1901848_10203449343823995_716429937_n

يرتبط PNA بكل من DNA و  RNA من خلال نظام واتسون – كريك لترابط القواعد الآزوتية (كما يحدث في مركب DNA المزدوج السلسلة المعتاد (الروابط الزرقاء))، وعبر ما يسمى بنظام تزاوج <هوجستين> الذي يسمح بتكوين عدد متنوع من البنى ((الروابط الخضراء) وذلك بارتباط قاعدة أخرى هي  T(باللون البرتقالي يسار الشكل) بزوج A-T أو القاعدة C المضاف إليه هيدروجين كي ترتبط بالزوج C-G) ؛ وهو ما يوفر أساليب عدة، يعمل (PNA) من خلالها كعقار في الخلية.

scan0024.gif-1

التأثيرات الطبية

تستطيع العقاقير التي تعتمد على جزيئات الحمض PNA تحصيل قدرتها العلاجية من خلال ارتباطها بمتتاليات معينة من القواعد الآزوتية في DNA و RNA مثبطةً أو محفزةً عمل االمورثات التي تمثلها تلك المتتاليات. فقد أوضحت العديد من التجارب الكيفيةَ التي تستطيع من خلالها محدودات PNA التأثير في العمليات البيولوجية، وذلك بطرق قد تكون مفيدة لعلاج الأمراض، ونذكر منها:

–          أوضحت مجموعة  Peter M. Glazer [من جامعة ييل] أنه في الخلايا الحيوانية تمكنت السلسلة الثلاثية المكونة بالاجتياح والمركبة من  PNA و  DNAمن تنشيط عملية إصلاح مورثة حاملة لطفرة مسؤولة عن أحد أمراض الدم البشرية وهو أنيميا البحر الأبيض Thalassemia. ويمكن الاستفادة من هذه العملية في علاج الأمراض الناشئة عن الطفرات.

–          أوضح David R. Corey ومساعدوه [من المركز الطبي التابع لجامعة تكساس] أن PNA يستطيع أن يعيق عملية نسخ المورثات في خلايا سرطان الثدي في الإنسان وذلك عن طريق ارتباطه بقطعة من DNA بعد انفصالها إلي سلسلتين تمهيدا لارتباط إنزيم بلمرة RNA ب DNA ونسخ المورثات إلى RNA. وسوف تمدنا هذه العملية بمعرفة معمقة حول دور مورثات معينة في تحول الخلايا السليمة إلى  خلايا سرطانية.

–          استطاع الباحثون إنتاج جزيئات من PNA يمكنها إيقاف تعبير مورثات أساسية في البكتيريا؛ مما أدى إلى تثبيط نمو البكتيريا وقتلها. وقد يقود هذا الاكتشاف إلى تطوير أنواع جديدة من المضادات الحيوية؛ مما سيساعد على مواجهة مشكلة مقاومة البكتيريا للعقاقير الموجودة حاليا.

وإلى جانب أن جزيئات الحمض PNA قد استثارت اهتمام العلماء للقيام بالأبحاث الطبية، فإنها أيضا كانت مصدرا لإلهامهم ببعض التأملات حول نشوء الحياة على الأرض؛ حيث اقترح بعض العلماء أن جزيئات الحمض PNA أو جزيئات أخرى شبيهة بها جدا ربما تكون هي الأساس في ظهور الصور الأولى المبكرة من الحياة، وذلك قبل ظهور وتطور البروتينات  بالإضافة إلى  DNA و RNA.